الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }

بيّن تعالى في الإستطراد الخاص بنبوّة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم كتابة رحمته للذين يتّبعونه من قوم موسى وعيسى عليهما السلام، وقال في متّبعيهأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157] أي دون غيرهم من الذين كفروا به ولم يتّبعوا النور الذي أُنزل معه بعد بعثته وبلوغ دعوته، وذلك لا ينافي كون المتّبعين لموسى حق الإتّباع قبل بعثته صلى الله عليه وسلم على هدى وحق وعدل وأنّهم من المفلحين، فإنّ ما أفادته جملة { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } من الحصر إضافي لا حقيقي كما أشرنا إليه آنفاً وبيّناه في تفسير تلك الآية. ولذلك بيّن سبحانه في هذا الآية حال خواص أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا متّبعين له حق الإتّباع، عاطفاً إيّاهم على المهتدين بإتّباع خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم قال:

{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } أي ومن قوم موسى (أيضاً) جماعة عظيمة يهدون الناس بالحق الذي جاءهم به من عند الله تعالى ويعدلون به دون غيره إذا حكموا بين الناس، لا يتّبعون فيه الهوى، ولا يأكلون السحت والرشى، فالظاهر المتبادر أن هؤلاء ممّن كانوا في عصره وبعد عصره حتى بعدما كان من ضياع أصل التوراة ثمّ وجود النسخة المحرّفة بعد السبي، فإن الأمم العظيمة لا تخلو من أهل الحق والعدل. وهذا من بيان القرآن للحقائق، وعدله في الحكم على الأمم، كقوله:وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } [آل عمران: 75] الآية وقيل في وجه التناسب والإتصال إنّه ذكر هؤلاء من قومه في مقابل متّخذي العجل للدلالة على أنّهم كانوا بعض قومه لا كلّهم، وهو جائز على بعد يقدر بقدر بعد هذه الآية عن قصّة العجل، وما قلناه أظهر.

فإن قيل: إنّ قوله " يهدون ويعدلون " للحال المفيد للإستمرار (قلنا) إن أمثاله ممّا حكي فيه حال الغابرين وحدهم بصيغة المضارع كثير، ووجهه أن التعبير لتصوير الماضي في صورة الحاضر، وما هنا يشمل أهل الحق من قوم موسى إلى زمن نزول هذه السورة ممّن لم تكن بلغتهم دعوة النبيّ الأمّي خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم وهم الذين كانوا كلّما بلغت أحداً منهم الدعوة قبلها وأسلم وقد ورد في وصفهم آيات صريحة وحمل بعضهم هذه الآية التي نفسّرها عليهم وحدهم.

قالوا: إن المراد بهؤلاء الأمّة مَنْ آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وإضرابه.

ونقول إنّه نزل في هؤلاء آيات صريحة كقوله في آخر سورة آل عمران:وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ }

السابقالتالي
2