الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } الإختيار صيغة تكلّف من مادة الخير كالإنتقاء من النقي (بالكسر) وحقيقته دهن العظام ومجازه لباب كلّ شيء والإصطفاء من الصفو والإنتخاب من النخب وأصّله إنتزاع الصقر وغيره من الجوارح قلب الطائر ثمّ صار يقال لكل من إنتزع لب الشيء وخياره: نخبه وانتخبه، وتطلق النخبة (بالضم مع سكون الخاء وفتحها) على الجيّد المختار من كلّ شيء كما أطلقوا النخب والنخيب والمنتخب على الجبان الذي لا فؤاد له والأفين الذي لا رأي له، كأنّه إنتزع فؤاده وعقله بالفعل.

والكلام معطوف على ما قبله، والمعنى: وانتخب موسى سبعين رجلاً من خيار قومه للميقات الذي وقّته الله تعالى له ودعاهم للذهاب معه إلى حيث يناجي ربّه من جبل الطور، فالإختيار يكون من فاعل مختار وشيء مختار منه فيتعدّى للثاني بمن وكأن نكتة حذف " من " الإشارة إلى كون أولئك السبعين خيار قومه كلّهم لا طائفة منهم.

{ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } أي فلما أخذتهم رجفة الجبل وصعقوا قال موسى يا ربّ إنّي أتمنى لو كانت سبقت مشيئتك أن تهلكهم من قبل خروجهم معي إلى هذا المكان فأهلكتهم وأهلكتني معهم حتى لا أقع في حرج شديد مع بني إسرائيل فيقولوا قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم - أي وإذ لم تفعل من قبل فأسألك برحمتك أن لا تفعل الآن - وهذا مفهوم التمنّي، فقد أراده موسى ولا يبعد أن يكون قد نطق به إذا كانت لغته لا تدلّ عليه كلغتنا وكان من إيجاز القرآن الإكتفاء بذكر التمنّي الدال عليه.

واختلف المفسّرون هل كان هذا بعد أن أفاق موسى من صعقة تجلّي ربّه للجبل عقب سؤاله الرؤية، إذ كان مَنْ معه من شيوخ بني إسرائيل ينتظرونه في مكان وضعهم فيه غير مكان المناجاة كما تقدّم أو كان بعد عبادة العجل ذهبوا للإعتذار وتأكيد التوبة وطلب الرحمة - وكما اختلفوا في هذا اختلفوا في سبب أخذ الرجفة إياهم هل كان طلبهم رؤية الله تعالى جهرة كما تقدّم في سورة البقرة أو سبباً آخر؟

قال الحافظ ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أنّ الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً فأختار سبعين رجلاً فوفد بهم ليدعوا ربّهم وكان فيما دعوا الله أن قالوا: اللّهمّ أعطنا ما لم تعطه أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً من بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة قال موسى ربّ لو شئت أهلكتهم، الآية.

وقال السدي: إن الله تعالى أمر موسى أن يأتيه في أُناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعداً فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً على عينه ثمّ ذهب بهم ليعتذروا فلمّا أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فإنّك قد كلّمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا فقام موسى يبكي ويقول يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد