الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا }. في هذه الآية وجهان أحدهما أنّها كلام مستأنف لبيان ما إستحقه القوم من الجزاء على إتخاذ العجل قفي به على ما كان من شأن موسى مع هارون عليهما السلام في أمرهم، لأنّ من سمع ذاك أو قرأه تستشرف نفسه لمعرفة هذا - فهو إذاً ممّا أوحاه الله تعالى يومئذ إلى موسى (عليه السلام) والمراد بالغضب الإلهيّ فيه ما اشترطه تعالى في قبول توبتهم من قتل أنفسهم وكان ذلك بعد عودة موسى إلى مناجاته في الجبل، والذلة ما يشعرون به مَنْ هوانهم على الناس وظنهم عند لقاء كلّ أحد أنّه يتذكّر برؤيتهم ما كان منهم فيحتقرهم، وقال بعضهم أنّ هذه الذلة خاصّة بالسامري وهي ما حكم به عليه من القطيعة وإجتناب الناس بقول موسى له:فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } [طه: 97] أي: لا أمس أحداً ولا يمسّني أحد.

{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } أي ومثل هذا الجزاء في الدنيا نجزي المفترين على الله تعالى في أزمنة الأنبياء أو في كلّ زمان إذا فضحوا بظهور إفترائهم كما فضح هؤلاء، وجعله بعض مفسّري السلف خاصّاً بإفتراء البدع.

قال الحسن البصري: أن ذلّ البدعة على أكتافهم وأن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين، وهكذا روى أيوب عن أبي قلابة أنّه قرأ هذه الآية { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } وقال هي والله لكلّ مفتر إلى يوم القيامة، وقال سفيان ابن عيينة كلّ صاحب بدعة ذليل.

نقل ذلك ابن كثير في تفسيره، وهو مشروط بكون إفتراء الإبتداع في أزمنة الرسل عليهم السلام على ما قيّدناه به لأنّ الله تعالى كفل لهم النصر، أو في دار الإسلام والعدل التي تقام فيها السنّة، وأمّا البدعة في دار الكفر أو دار الظلم والبدع والفسق والظلم فهي كظلة من الدخان أو قزعة من السحاب تحدث في حندس ليلة مطبقة السحاب، حالكة الإهاب، لا تكاد تظهر، فيكون لأصحابها احتقار يذكر.

والوجه الثاني: إنّ هذا كلام معترض في القصّة خاطب الله به خاتم رسله لإنذار اليهود المجاورين له في المدينة ما سيكون من سوء عاقبتهم في إفترائهم على الله وعداوتهم لرسوله، وإنكارهم ما في كتبهم من البشارة به، ووصفهم بإتخاذ العجل لشبههم بهم وكونهم خلفاً لهم في إفتراء كلّ منهما على الله في عهد ظهور حجّته على لسان رسوله. كما عيّرهم في آيات أخرى بقتل النبيين بغير الحق وغير ذلك من جرائم سلفهم.

وروي هذا الوجه عن عطيّة العوفي قال المراد سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأريد بالغضب والذلّة ما أصاب بني النضير وقريظة من القتل والجلاء أو ما أصابهم من ذلك ومن ضرب الجزيّة عليهم اهـ وتوجيهنا أظهر.

السابقالتالي
2