الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

هذه الآيات نزلت في بيان بدء وحي الشريعة لموسى عليه السلام وقد بدء الوحي المطلق إليه في جانب الطور الأيمن من سيناء منصرفه من مدين إلى مصر، وإنّما المذكور هنا بدء وحي كتاب التوراة بعد أن أنجى الله قومه بني إسرائيل من العبوديّة وجعلهم أمّة حرّة مستقلّة قادرة على القيام بما يشرعه الله لها من العبادات وأحكام المعاملات، والأمّة المستعبدة للأجنبي لا تقدر على ذلك، ألم تر أن جميع أحكام المعاملات الدنيويّة من شريعتنا المطهرة وأكثر أحكام العبادات لم تُشرّع إلاّ بعد الهجرة؟ وأنّ الصلاة التي هي عبادة بدنيّة لمّا شرّعت في مكّة كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم يصلّي هو ومَنْ آمن به في البيوت سرّاً إتقاء أذى المشركين الذين كانوا يمنعونهم من الصلاة في المسجد الحرام وقد صلّى فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّة فجاء المشركون بسلا جزور - أي كرش بعير بفرثه - فوضعوه عليه وهو ساجد فلم يستطع رفع رأسه حتى جاءت إبنته السيّدة فاطمة عليها السلام فألقته عن ظهره؟ وهمّ أبو جهل مرّة أن يجلس عليه وهو ساجد فكفّه الله عنه؟

قال تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } هذا السياق معطوف على السياق الذي قبله المبدوء بقوله تعالى:وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } [يونس: 90] الآيات.

قرأ أبو عمرو ويعقوب (وعدنا) من الوعد والباقون (واعدنا) من المواعدة فقيل إنّها هنا بمعنى الوعد وقيل إنّ فيها معنى صيغة المفاعلة باعتبار أن الله تعالى ضرب لموسى عليه السلام موعداً لمكالمته وإعطائه الألواح المشتملة على أصول الشريعة فقبل ذلك ثمّ صعد جبل سيناء في أوّل الموعد وهبط في آخره، وفرّق بين الإتفاق على الشيء بين اثنين أو أكثر كالتلاقي في مكان معين أو زمان معيّن وبين الوعد به من واحد لآخر لا يطلب منه شيء لأجل الوفاء كقولك لآخر سأدعو الله لك في البيت الحرام مثلاً - فهذا وعد محض وذاك يحتمل الأمرين باعتبارين كعبارة الآية.

والميقات أخصّ من الوقت فهو الوقت الذي قرّر فيه عمل من الأعمال كمواقيت الحج.

وفي سورة البقرة:وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [البقرة: 51] وهو إجمال لما فصلّ هنا من قبل لأنّ الأعراف مكيّة والبقرة مدنيّة فهي متأخّرة عنها في النزول، والمراد بالليلة ما يشمل الليل والنهار في عرف العرب عند الإطلاق.

روى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية أن موسى قال لقومه: إنّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم، فلمّا وصل موسى إلى ربّه زاده الله عشراً فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله - وذكر قصّة عجل السامري - وروي الثاني عن أبي العالية في قوله: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } يعني ذا القعدة وعشراً من ذي الحجّة فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليه التوراة في الألواح فقرّبه الرب نجيّاً وكلّمه وسمع صريف القلم، وبلغنا أنّه لم يحدث في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور، وفي معنى هذا روايات أخرى صريحة في أن هذا الزمن ضرب لمناجاة موسى ربّه في الجبل منقطعاً فيه عن بني إسرائيل، وهو الحقّ الموافق لما ورد في هذه السورة وغيرها من قصّة السامري وعبادة العجل في غيبة موسى ومنه قولهم لهارون:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد