الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

قصّة موسى مع بني إسرائيل

هذه الآيات وما بعدها شروع في قصّة موسى عليه السلام مع قومه بني إسرائيل معطوفة على قصّته مع فرعون وقومه على أكمل وجوه: العبرة مع السلامة من لغو القصص والتاريخ. قال عزَّ وجلّ:

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } جاز الشيء وجاوزه وتجاوزه عدّاه وانتقل عنه. والعكوف على الشيء الإقبال عليه وملازمته على سبيل التعظيم ومنه العُكوف والإعتكاف في المسجد وهو ملازمته لأجل العبادة.

قرأ حمزة والكسائي يعكفون بكِسر الكاف من باب جلس يجلس والباقون بضمّها من باب قعد يقعد.

والأصنام جمع صنم وهو ما يُصنع من الخشب أو الحجر أو المعدن مثالاً لشيء حقيقي أو خيالي أو مذكّراً به ليعظّم تعظيم العبادة، واتخذ بعض العرب في الجاهليّة صنماً من عجوة التمر فعبدوه ثمّ جاعوا فأكلوه.

والفرق بينه وبين التمثال أنّ هذا لابدّ أن يكون مثالاً لشيء - وأنّه قد يكون للعبادة وحينئذ يسمّى صنماً وقد يكون للزينة كالذي تراه على جُدران بعض القصور المشيّدة أو أبوابها أو في حدائقها، وقد يكون للتعظيم والتكريم غير الديني كالتماثيل التي تنصب لبعض الملوك وكبار علماء الدنيا أو القوّاد والزعماء للتذكير بتاريخهم وأعمالهم للإقتداء بهم، ويكثر هذا في بلاد الإفرنج وقلّدهم بعض بلاد الشرق كمصر فنصب حكومتها تماثيل لبعض أمراء بيت الملك الحاضر وغيرهم من رجالهم.

والفرق بين هذا التعظيم السياسي أو العلمي وبيّن تعظيم العبادة، أن الغرض من الأوّل أمّا رفعة شأن الدولة وتمكين سلطانها في أنفس الأمّة بمشاهدة صور ملوكها وكبراء رجالها وتماثيلهم وهو قصد سياسي صحيح عند أهله.

وأمّا بعث شعور حب العلم والإقتداء بالعلماء والأدباء والزعماء الذين نفعوا أمّتهم عسى أن يوجد في المستعدّين من يكون مثلهم أو خيراً منهم، وهو قصد إجتماعي صحيح عند علماء التربية وأمّا تعظيم العبادة فالغرض منه التقرّب من المعبود وطلب ثوابه بدفع ضرر أو جلب منفعة من طريق الغيب لا الكسب والتعاون عليه من طريق الأسباب العامّة.

فتعظيم الشيء الذي يعتقد أن له سلطة غيبيّة أو تعظيم ما يذكر به من صورة أو تمثال أو قبر أو ثوب أو غير ذلك من آثاره لأجل التقرّب إليه وقصد الإنتفاع به في الأمور التي لا تنال بالأسباب العامّة - وهي ما لا يطلب إلاّ من الله تعالى أو لأجل التقرّب إلى الله تعالى بجاهة - كلّ ذلك عبادة ظاهرة، فإنّ قصد المعظّم لذلك الشيء أو لما يذكر به الإنتفاع به نفسه بما ذكر من التعظيم بالقول كالدعاء والإستغاثة أو بالفعل كالطواف بتمثاله أو قبره وتقبيله والتمرّغ بأرضه - كانت العبادة خالصة له من دون الله، وإن قصد التقرّب به إلى الله تعالى ليحمله بجاهه على إعطائه ما يُريد كانت العبادة له ولله تعالى بالاشتراك، وهذا من مظاهر الشرك الجليّ التي لا يخرجها تغيير التسمية عن كونها كفراً أو شركاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد