الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } * { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }

بعد بيان تلك الآيات ذكر ما كان من تأثيرها وتأويلها معطوفاً عليها فقال عزّ وجلّ { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } قال في الأساس ارتجز الرعد إذا تداوك صوته كارتجاز الراجز... والبحر يرتجز بآذيه أي موجه... فمادة الرجز تدل في أصل اللغة على الإضطراب كما قال الراغب وهو يكون في النفس كما يكون في الأجسام ومنه قوله تعالى في وصف الماء الذي أنزله على المسلمين في بدروَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } [الأنفال: 11] أي وسوسته لهم بأن يأخذهم العطش فلا يستطيعون الصبر على القتال وقيل غير ذلك.

وقد يكون في الصوت ومنه الرجز في الشعر سمي بما كان لهم من اضطراب الصوت في إنشاده، وقد سمي عذاب قوم لوط رجزاً بقوله تعالى في سورة العنكبوتإِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [العنكبوت: 34] وفي سورتي سبأ والجاثية إنذار للكافرين بعذاب من رجز أليم.

وفُسّر الرجز هنا بالعذاب وروي عن قتادة وفيه حديث مرفوع عن عائشة عند ابن مردويّه، وعن إبن عباس وسعيد بن جبير أن المراد به الطاعون، وكأنهما أخذاه من حديث أسامة بن زيد مرفوعاً " الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل - أو على مَنْ كان قبلكم - فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " رواه مسلم عنه بهذا اللفظ وألفاظ أخرى بمعناه منها " الطاعون آية الرجز ابتلى الله به عزَّ وجلّ أناساً من عباده " إلخ وفي رواية له " هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم " إلخ وأوله في بعضها " إن هذا الطاعون " إلخ ورواه أحمد والنسائي ومصنفو التفسير المأثور عنه وعن سعيد بن مالك وخزيمة بن ثابت ووجهه في اللغة أن الطاعون من الأوبئة التي تضطرب لها القلوب لشدة فتكها وذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى من سورة البقرةوَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } [البقرة: 58] - إلى قوله -فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [البقرة: 59] وهو يصدق بطائفة من بني إسرائيل وقد نزل الطاعون بهم كغيرهم مراراً ولا يوجد حديث مرفوع يدل على أن الطاعون هو المراد بالرجز في الآية التي نفسرها وضربة القروح المذكورة في التوراة يجوز أن تكون هي الطاعون، وموت الأبكار يحتمل أن يكون بالطاعون أيضاً.

والمتبادر من عبارة الآية أن المراد من الرجز جنسه وهو كلّ عذاب تضطرب له القلوب أو يضطرب له الناس في شؤونهم ومعايشهم وهو يشمل كلّ نقمة وجائحة أنزلها الله تعالى على قوم فرعون كالخمس المبينة في هذا السياق وفي التوراة أن فرعون كان يقول لموسى عند نزول كلّ منها إدع لنا ربّك واشفع لنا عنده أن يرفع عنّا هذه، ويعده بأن يرسل معه بني إسرائيل ليعبدوا ربهم ويذبحوا له ثمّ ينكث، فإذا أريد بالرجز أفراده وافق التوراة في أن فرعون وملأه كانوا يطلبون من موسى عند كلّ فرد منها أن يدعو ربّه بكشفها عنهم، ولفظ " لما " لا يمنع من ذلك كما صرح به المفسّرون الذين قالوا بهذا، وأن أريد به جملته ومجموع أفراده أو فرد آخر غير ما تقدّم فالمتبادر أن يكون طلب كشفه قد وقع مرّة واحدة، والأوّل أظهر ويرجحه التعبير عن نكثهم بصيغة المضارع (ينكثون) فإنه يدل على الإستمرار.

السابقالتالي
2 3