الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

هذه الآيات تفصيل لمقدمات الهلاك الموعود به فيما قبلها وإنجاز وعد الله تعالى لبنيّ إسرائيل بالإستخلاف في الأرض.

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } صدرت الجملة بالقسم الدالة عليه لامه لتأكيد مضمونها وتعظيم شأنه وكيف لا وهو من أظهر آياته سبحانه على تأييد رسله وقدرته على الأدالة للمظلومين المستضعفين من الأقوياء الظالمين. وقد كثر إستعمال مادة " الأخذ " في العذاب وما في معناه كقوله تعالى:وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102]فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 42]فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } [المزمل: 16] (يعني فرعون موسى)فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } [الحاقة: 10] وآل فرعون قومه كما أطلقه المفسّرون، أو خاصته وأعوانه في أمور الدولة وهم الملأ من قومه الذين كثر ذكرهم في قصّته ووجهه أنهم هم المذنبون المعاندون لموسى وإنّما وقوع العذاب على غيرهم بالتبع لهم لأنهم كانوا موافقين ومقرين لهم على ظلمهم وقد قال تعالى:وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [الأنفال: 25] وهذه سنة من سنن الإجتماع العامة وسيأتي توجيه القول الأوّل.

وأصل اللغة أن آل الرجل أهل بيته وأقاربّه الذين يضافون إلى اسمه، وهو لا يضاف إلاّ إلى أعلام شرفاء قومهم وكبرائهم كالأنبياء والملوك والرؤساء ثم أطلق على أهل الإختصاص بهم أو جميع أتباعهم، ومن هنا قال بعض العلماء إن آل النبيّ صلى الله عليه وسلم يطلق على جميع أتباعه وأن هذا هو المراد بالصلاة على آل النبيّ في التشهد وغيره. قال الراغب: الآل قيل مقلوب عن الأهل ويصغر على أهيل إلاّ أنّه خصّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل يقال آل الله وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكلّ يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا.

وقيل هو في الأصل اسم الشخص ويصغر أويلا ويستعمل فيمن يختص بالإنسان إختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة قال عزّ وجلّ:وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ } [آل عمران: 33] وقال:أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46] قيل وآل النبيّ صلى الله عليه وسلم أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم آل النبيّ وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقال لهم آله، فكل آل للنبي أمة له وليس كلّ أمّة له آله.

وقيل لجعفر الصادق (رضي الله عنه): الناس يقولون المسلمون كلّهم آل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال كذبوا وصدقوا، فقيل ما معنى ذلك؟ فقال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله.

السابقالتالي
2 3 4