الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

خاف ملأ فرعون عاقبة تركه لموسى حرّاً مطلقاً في مصر فكلموه في ذلك وقد أخبرنا الله تعالى بما قالوه له وما أجابهم به وما كان من تأثير جوابه في موسى وقومه من نصحه لهم وما دار بين موسى وبينهم في ذلك فقال:

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } أي قالوا له أتترك موسى وقومه أحراراً آمنين لتكون عاقبتهم أن يفسدوا قومك عليك في أرض مصر بإدخالهم في دينهم، أو جعلهم تحت سلطانهم ورياستهم، ويتركك مع آلهتك كالشيء اللقا، فيظهر للمصريين عجزك وعجزها، وقد رأيت ما كان من أمر إيمان السحرة - إذ الظاهر من السياق أن هذا القول كان بعد قصّة السحرة - وسيأتي ما فيه.

وجمهور المفسّرين على المراد بتركه وآلهته عدم عبادته وعبادتها، وقرأ ابن عباس (والإهتك) أي عبادتك. ومن المعلوم من التاريخ المستمد من العاديات المستخرجة من أرض مصر أنّه كان للمصريين آلهة كثيرة منها الشمس واسمها في لغتهم (رع) وهو متضمن في لقب فرعون فهو عندهم سليل الشمس وابنها، وسننقل بعد جوابه لهم أثراً يدل على ذلك ويذكر فيه بعض هذه الآلهة.

{ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ } أي قال مجيباً للملأ سنقتل أبناء قومه تقتيلاً ما تناسلوا - فتعبيره بالتقتيل يدل على التكثير والتدريج - ونستبقي نساءهم أحياء كما كنا نفعل من قبل ولادته حتى ينقرضوا.

{ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } وإنا مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان قاهرون لهم كما كنا من قبل فلا يستطيعون إفساداً في أرضنا، ولا خروجاً من حظيرة تعبيدنا. وفي سورة المؤمن:وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } [غافر: 26] وهو يدل على أنّه كان لديه من يدافع عن موسى ممن آمن به سراً وممن كان يحبه وإن لم يؤمن به فقد قال تعالى له:وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [طه: 39] وفيه تصريح بما كان له في أنفس المصريين من المحبة والإحترام. وقد حكى الله تعالى لنا دفاع واحد ممن آمن به فقال:وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر: 28].

والمرجح عند المتأخرين من المؤرخين الواقفين على العاديات المصريّة أن فرعون موسى هو الملك (منفتاح) وكان يلقب بسليل الآله (رع) وقد جاء في آخر الأثر المصري الوحيد الذي ذكر فيه بنو إسرائيل (وهو المعروف برقم 25، 34 المحفوظ في متحف مصر) أن مصر هي السليلة الوحيدة للمعبود (رع) منذ وجود الآلهة وإن " منفتاح " سليلة أيضاً وهو الجالس على سدة المعبود " شو " وإن الآله " رع " التفت إلى مصر فولد " منفتاح " ملك مصر وشيء له أن يكون مناضلاً عنها فتخنع له الولاة ولا يرفع أحد من البدو رأسه فخضع له القبروانيون والحيثيون والكنعانيون وعسقلان وجزال وينعمام.

السابقالتالي
2 3 4 5