الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }

بعد ما كان من إيمان السحرة كان أوّل ما يخطر في البال، ويتوجّه إليه السؤال، ما فعل فرعون وما قال؟ وهاك البيان: { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ } قرأ حفص آمنتم بصيغة الخبر ويحتمل فيه تقدير همزة الإستفهام فهو قياسي يعتمد في فهمه على صفة الأداء وجرس الصوت فيه.

وبذلك يوافق سائر القراء في المعنى فهو عندهم إستفهام إنكاري توبيخي أثبت همزته حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب، وروي في إثباتها تحقيق الهمزتين بالنطق بهما وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين بين، وقرئ بذلك في أمثالها. والمعنى أآمنتم. بموسى أو برب موسى وهارون قبل أن آذن لكم وآمركم بذلك؟ وفي سورة طهقَالَ آمَنتُمْ لَهُ } [طه: 71] والضمير فيه لموسى قطعاً لأن تعدية الإيمان باللام تضمين يفيد معنى الإتباع والخضوع المعنى: وأآمنتم به متبعين له إذعاناً لرسالته قبل أن آذن لكم؟ ولذلك يتعين إستعمال هذا التضمين في الإيمان بالرسل والإتباع لهم كقوله تعالى حكاية عن فرعون:أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } [المؤمنون: 47] وقد اقتبس المعري هذا الإستدلال في قوله:
أعبّاد المسيح يخاف صحبي   ونحن عبيد من خلق المسيحا
ومثله قوله تعالى في سورة الشعراء حكاية عن قوم نوح عليه السلامأَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111] وقوله حكاية عن كفار قريش:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] وليس منه قوله تعالى حكاية عن أخوة يوسفوَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [يوسف: 17] بل هذه لام التقوية أي وما أنت بمصدّق لنا. وقد بيّن فرعون علّة إيمانهم بما ظنّه أو أراد أن يعتقده قومه فيهم فقال مواصلاً تهديده.

{ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } أي أن هذا الصنيع الذي صنعتموه أنتم وموسى وهارون بالتواطؤ والإتفاق ليس إلاّ مكراً مكرتموه في المدينة بما أظهرتم من المعارضة والرغبة في الغلب عليه مع إسرار اتباعه بعد إدعاء ظهور حجّته، زاد في سورة طهإِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [طه: 71] فأجمعتم كيدكم لنا في هذه المدينة لأجل أن تخرجوا منها أهلها المصريين بسحركم - وهو ما كان إتهم به موسى وحده - ويكون لكم فيها مع بني إسرائيل ما هو لنا الآن من الملك والكبرياء كما حكاه تعالى عن فرعون وملئه في سورة يونس - { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما يحل بكم من العذاب، جزاء على هذا المكر والخداع، وبين ذلك بقوله: { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أي أقسم لأفعلن كذا وكذا في عقابكم والتنكيل بكم وهو قطع الأيدي والأرجل من خلاف كأن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس، ثمّ لأصلبن كلّ واحد منكم وهو على هذه الحالة المشوهة لتكونوا عبرة لمن تحدثه نفسه بالكيد لنا، أو بالخروج عن سلطاننا، والترفع عن الخضوع لعظمتنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7