الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

{ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } أي وجاء فرعون السحرة الذين حشرهم له أعوانه وشرطته ولم يذكر الكتاب الحكيم ولا الرسول المعصوم عددهم إذ لا فائدة منه وكلّ ما روي فيهم من أنهم عشرات الألوف فهو من الإسرائيليات التي لا أصل لها عندنا ولا في التوراة التي بين أيديهم.

فلما جاؤا قالوا لفرعون أنّ لنا لأجراً وجزاء عظيماً يكافيء ما يطلب منا من العمل العظيم أن كنا نحن الغالبين لموسى. ذكر قولهم هنا بأسلوب الإستئناف البياني كأنّه جواب سائل: ماذا قالوا؟ وجاء في سورة الشعراء بصيغة الشرط والجزاء { وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ } [الأعراف: 113] وهو تفنن في العبارة. قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم { إِنَّ لَنَا لأَجْراً } بهمزة واحدة قيل إنّه على الأخبار الدال على إيجاب الأجر وكونه لا بدّ منه.

وقيل إنّه على حذف همزة الإستفهام الذي يكثر في كلام العرب، وهو المتبادر والمختار ليوافق قراءة ابن عامر بإثباتها هنا وهو ما اتّفقوا عليه في سورة الشعراء، { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي قال فرعون مجيباً لهم إلى ما طلبوا نعم أن لكم لأجراً عظيماً وإنّكم مع ذلك الأجر المالي أو المادّي لمَنْ المقرّبين من جنابنا السامي، فيجتمع لكم المال والجاه وذلك منتهى نعيم الدنيا ومجدها.

أكّد لهم نيل ما طلبوه منه وما زادهم عليه تأكيداً بعد تأكيد لإهتمامه بهذا الأمر وخوفه من عاقبته، فإنّه لو قال لهم نعم ولم يزد عليها لإفاد إجابة طلبهم، ولو قال في منحة القربى: وتكونون من المقرّبين، لكفى ولكنّه عبّر عنها بالجملة الإسميّة المؤكّدة بإن وبتحلّية الخبر باللام وبعطف التلقين أي عطف " وإنّكم لمَنْ المقرّبين " على الجملة المقدّرة التي دلّ عليها حرف الإيجاب " نعم " وهي " إنّ لكم لأجراً " فما عطف عليها إلاّ وقد قدّر إعادتها.

وفي سورة الشعراء زيادة " إذن " أي وإنّكم في هذه الحالة وهي كونكم أنتم الغالبين دون موسى لمَنْ المقرّبين وحذفها من هذه السورة دليل على أنّه قالها مرّة دون أخرى فأفاد أنّه كرّر لهم الإجابة والوعد وذلك تأكيد آخر.

{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } استئناف بياني كنظائره أي قال السحرة لموسى عليه السلام بعد أن وعدهم فرعون ما وعدهم: إمّا أن تلقي ما عندك أوّلاً، وإمّا أن نكون نحن الملقين لما عندنا من دونك.

إمّا تخييرهم إيّاه فلثقتهم بأنفسهم، وإعتدادهم بسحرهم، أو إرهاباً له، وإظهاراً لعدم المبالاة به، مع العلم بأنّ المتأخّر يكون أبصر بما تقتضيه الحال بعد وقوفه على منتهى شوط خصمه، وما قيل من إنّ علّة التخيير مراعاة الأدب لا وجه له البتّة، بل مقامهم بحضرة ملكهم الذي يدّعي الإلوهيّة والربوبيّة فيهم وما طلبوه منه وما وعدهم إيّاه - كلّه يقتضي أنّ يحتقروا خصمه لا أن يتأدّبوا معه كما يتأدّب أهل الصناعة الواحدة بعضهم مع بعض إذا تلاقوا للمباراة وهو ما وجّه الزمخشري به التعليل، وما قاله البيضاوي وغيره من أنّ علّته إظهار التجلّد فضعيف إذ لم يروا من موسى شيئاً بأعينهم يقتضيه وإنّما سمعوا أنّه ألقى عصاه بحضرة فرعون فصارت ثُعباناً فاستعدّوا لمقابلته بعصيّ وحبال كثيرة يُخيّل إليه وإلى كلّ ناظر أنّها ثعابين تسعى فيبطلون سحره بسحر مثله كما قال ملكهم:

السابقالتالي
2 3 4