الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

وجه الخطاب في هاتين الآيتين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأجل تسليته وتثبيت فؤاده بما في قصص أولئك الرسل مع أقوامهم من العبر والسنن التي بين فقهها وما فيها من الحكم في الآيات السبع التي قبلهما. قال تعالى: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } كلام مستأنف قفي به على جملة قصص الرسل عليهم السلام التي تقدمت وما عطف عليها من بيان حكمها وفقهها فكانت كالفذلكة لها، فالقرى هنا هي المعهودة في هذه القصص، وحكمة تخصيصها بالذكر أنها كانت في بلاد العرب مما جاورها وكان من بعد قوم نوح من العرب، وكان أهل مكّة وغيرهم من العرب الذين هم أوّل من وجهت إليهم دعوة الإسلام يتناقلون بعض أخبارها مبهمة مجملة، وكانت على هذا كلّه قد طبعت على غرار واحد في تكذيب الرسل، والتماري فيما جاؤا به من النذر، إلى أن حل بهم النكال، وأخذوا بعذاب الإستئصال، فالعبرة فيها كلّها واحدة.

وليس كذلك قوم موسى فإنّهم آمنوا، وإنّما كذّب فرعون وملؤه فعُذّبوا، ولذلك أخّر قصّته.

والمعنى تلك القرى التي بعد عهدها، وطال الأمد على تاريخها، وجهل قومك أيّها الرسول حقيقة حالها، نقص عليك الآن بعض أنبائها، وهو ما فيه العبرة منها، وإنّما قال نقصّ لا قصصاً لأن هذه الآية نزلت مع تلك القصص لا بعدها.

{ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ }. أي ولقد جاء أهل تلك القرى رسلهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم، وبالآيات التي اقترحوها عليهم لإقامة حجّتهم، بأن جاء كلّ رسول قومه بما أعذر به إليهم، فلم يكن من شأنهم أن يؤمنوا بعد مجيء البيّنات بما كانوا كذّبوا به من قبل مجيئها عند بدء الدعوة إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده بما شرعه وترك الشرك والمعاصي. وقيل إن الباء للسببية والمعنى فما كانوا ليؤمنوا بعد بعثته بسبب تعودهم تكذيب الحق قبلها، وهو تأويل واه جداً فإن قوله فما كانوا نفي للشأن، وليس من شأن كل من كذب بشيء أن يصر عليه بعد ظهور البيّنات على خطإه فيه، ولكن شأن بعض المكذبين عناداً أو تقليداً أن يصروا عليه بعد إقامة البينة لأنها لا قيمة لها عندهم، فهم إما جاحد معاند ضل على علم، وإما مقلّد يأبى النظر والعلم. على أن ما قالوه لا يفهم من الآية إلاّ بتكلّف يخالفه المتبادر من اللفظ فالعجب ممن اقتصر عليه ولم يفهم غيره. وسيأتي في سورة يونس بعدد وخلاصة قصّة نوح عليه السلامثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ }

السابقالتالي
2 3 4