الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

هذه طائفة من آيات التنزيل، مبينة ومفصلة لطائفة من آيات التكوين، تدل أوضح الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته، وعلمه وحكمته، ولطفه ورحمته، جاءت تالية لطائفة من الآيات في أصول الإيمان الثلاثة: التوحيد والبعث والرسالة، فهي مزيد تأكيد في إثباتها، وكمال بيان في معرفة الله تعالى، بما فيها من بيان سننه وحكمه في الإحياء والإماتة والأحياء والأموات، وتقديره وتدبيره لأمر النيرات في السماوات، وأنواع حججه ودلائله في أنواع النبات، قال عز وجل:

{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } الفلق والفرق والفتق جنس واحد للشق - ونحوه الفأو والفأي والفأس والفت والفتح والفجر والفرج والفرز والفرس والفرص والفرض والفري والفصل وأشباهها - ومنه قوله تعالى:وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [البقرة: 50] مع قوله فيه:فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63].

ومن أسماء الصبح الفلق - بالتحريك - والفتق - بالفتح - والفتيق، وقول الراغب: الفلق شق الشيء وإبانة بعضه من بعض والفتق الفصل بين المتصلين غير ظاهر، بل التنزيل يدل على عكس قوله إن الفتق يعتبر فيه الإنشقاق والفلق يعتبر فيه الإنفصال. وفيه أن مواد الفلق والفتق والشق والفطر ومطاوعتها قد إستعملت في الأشياء المادية في باب الخلق والتكوين وما يقابله من خراب العالم بقيام القيامة، وإن الفرق إستعمل في الأمور المادية والمعنوية جميعاً، ومن الثاني تسمية القرآن فرقاناً وتلقيب عمر بالفاروق، فإن المراد بهما الفرق بين الحق والباطل.

والحب بالفتح اسم جنس للحنطة وغيرها مما يكون في السنبل والأكمام والجمع حبوب مثل فلس وفلوس والواحدة حبة. والحب بالكسر بزر ما لا يقتات مثل بزور الرياحين الواحدة حبة بالكسر. قاله في المصباح ونحوه في مفردات الراغب.

والنوى جمع نواة وهي عجمة التمر والزبيب وغيرهما كما في اللسان، والعجمة بالتحريك ما يكون في داخل التمرة والزبيبة ونحوها، وجمعها عجم وقيل إن النوى إذا أطلق ينصرف إلى عجم التمر فإن أريد غيره قيد فقيل نوى الخوخ ونوى المشمش. ولعل هذا تابع للقرينة ولم أر من قال إنه كذلك في أصل اللغة.

والمعنى أن الله هو فالق ما تزرعون من حب الحصيد ونوى الثمرات وشاقه بقدرته وتقديره الذي ربط به أسباب الإنبات بمسبباتها. ومنها جعل الحب والنوى في التراب وإرواء التراب بالماء. وعن ابن عباس أن المراد بالفلق هنا الخلق والإيجاد، والأول أظهر في بيان المراد.

وقد بين ذلك بقوله: { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } أي يخرج الزرع من نجم وشجر وهو حي - أي متغذ نام - من الميت وهو ما لا يتغذى ولا ينمى من الحب والنوى وغيرهما من البزور كما يخرج الحيوان من البيضة والنطفة. فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن في كل أصول الأحياء حياة، فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد