الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }

ختم الله سبحانه سياق قصة إبراهيم مع قومه بذكر هداية بعض الرسل من أهل بيته وذريته تمهيداً بذلك إلى بيان كون رسالة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم من جنس رسالتهم، وكون هدايته متممة ومكملة لهدايتهم، ومن ذلك أنه لا يسأل على تبليغ هذا القرآن أجراً، ولا يرجو من غير الله عليه فائدة ولا نفعاً، وقفى على ذلك بالرد على منكري الوحي، وبيان أنهم ما قدروا الله حق القدر، وتفنيد ما عرض لهم من الشبهة، وإقامة الحجة الواضحة المحجة، قال:

{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } ، قدر الشيء (بسكون الدال وفتحها) ومقداره - مقياسه الذي يعرف به ومبلغه، يقال قدر يقدِره وقدّره إذا قاسه، وقادرت الرجل مقادرة قايسته وفعلت مثل فعله، والقدر والقدرة والمقدار القوة. ومنه القدر بمعنى الغنى واليسار - وكذا الشرف - لأنه كله قوة كما قال صاحب اللسان، وكل ما تقدم مختصر منه، (قال) وقوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق تعظيمه.

وقال الليث ما وصفوه حق صفته، والقدر والقدَر هنا بمعنى واحد اهـ. وعزى الأول إلى ابن عباس وروي عنه أيضاً أن القدر هنا بمعنى القدرة، قال إن الآية نزلت في الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره.

وعن الأخفش أن المعنى ما عرفوه حق معرفته. وعن أبي العالية ما وصفوه حق صفته. وتفسيره بالمعرفة أقوى، لأنه بالمعنى الإشتقاقي ألصق، وتعلق الظرف " إذ قالوا " بفعله أو معنى نفيه أظهر، سواء تضمن معنى العلة أم لم يتضمن، والعبارة محتملة الأمرين.

فمنكروا الوحي الذين يكفرون برسل الله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه ولا وصفوه حق صفته، ولا آمنوا بهذا النوع من قدرته، وهو إفاضة ما شاء من علمه بما يصلح به أمر الناس من الهدى والشرع على من شاء من البشر بواسطة الملائكة، أو بتكليمه إياهم بدون واسطة، أو قدرته على ما يتبع الرسالة من تأييد الرسل بالآيات.

وبهذا الإعتبار يكون تفسير القدر بالقدرة أظهر، ومن يجيز إستعمال المشترك في كل معانيه والجمع بين حقيقته ومجازه مع أمن اللبس يجيز إرادة كل ما ذكر من معاني القدر هنا. على أن المعنى المختار يتضمن سائر هذه المعاني فمن عرف الله حق معرفته وصفه حق وصفه وآمن بقدرته على كل شيء وعظمه حق تعظيمه.

نطقت الآية بأن منكري الوحي ما عرفوا الله تعالى حق معرفته ولا وصفوه بما يجب وصفه به ولا عرفوا كنه فضله على البشر إذ قالوا إنه ما أنزل شيئاً على أحد منهم، فهي دليل على أن إرسال الرسل وإنزال الكتب من شؤونه سبحانه ومتعلق صفاته في النوع البشري.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10