الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

بين الله تعالى في الآيات السابقة لهذه بعض ما رفع به من درجات إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم بين في هذه فضله ونعمه عليه في حسبه ونسبه، وأعلاها جعل الكتاب والحكم والنبوة في ذريته، فقال: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا } أي ووهبنا لإبراهيم بآية منا إسحاق نبياً من الصالحين، ومن وراء إسحاق ولده يعقوب نبياً نجيباً منجباً للأنبياء والمرسلين، وهدينا كلا منهما كما هدينا إبراهيم بما آتيناهما من النبوة والحكمة وقوة الحجة.

وتقديم " كلا " على " هدينا " لإفادة إختصاص كل منهما بما ذكر من الهداية على سبيل الإستقلال لا التبع، لأن كلا منهما كان نبياً، هادياً مهدياً، وإنما ذكر إسحاق من ولدي إبراهيم دون إسماعيل، لأنه هو الذي وهبه الله تعالى له بآية منه بعد كبر سنه ويأس إمرأته سارة على عقمها جزاء لإيمانه وإحسانه، وكمال إسلامه لربه وإخلاصه، بعد ابتلائه بذبح ولده إسماعيل، وإستسلامه لأمر ربه في الرؤيا من غير تأويل، ولم يكن له ولد سواه على كبر سنه، وقد ولد له من سرية شابة، ولذلك قال تعالى بعد ذكر قصة الذبح من سورة الصافات:وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الصافات: 112] وسنبين حكمة تأخير ذكر إسماعيل وذكره مع من ذكر من الرسل عليهم الصلاة والسلام.

وقال المفسرون والمؤرخون أن كلمة (إسحاق) معناها (الضحاك) وقيل إن معناها الحرفي (يضحك) وقالوا إنه ولد ولأبيه مائة واثنتا عشرة سنة، ولأمه تسع وتسعون سنة، وأنه عاش مائة وثمانين سنة، وقال بعض علمائهم: إن معنى كلمة (يعقوب) الحرفي " أخذ العقب " والمراد يختلس ما يأخذه.

{ وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي وهدينا جده نوحاً هديناه من قبل إبراهيم إلى مثل ما هدينا له إبراهيم وذريته من النبوة والحكمة، وإرشاد الخلق وتلقين الحجة، قيل إن اسم (نوح) من مادة النوح العربية والمشهور أنه أعجمي، قال الكرماني معناه بالعربية (الساكن) وقال مؤرخو أهل الكتاب أن معناه (راحة) وأما قوله تعالى: { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } فهو عطف على " ونوحاً هدينا " أي وهدينا من ذريته داود وسليمان إلخ وقد جزم ابن جرير شيخ المفسرين بأن الضمير في ذريته لنوح وتابعه على ذلك بعض المفسرين وإحتجوا بأنه أقرب في الذكر وبأن لوطاً ويونس ليسا من ذرية إبراهيم، وزاد بعضهم أن ولد المرء لا يعد من ذريته فلا يقال إن إسماعيل من ذرية إبراهيم، وهذا القول لا يصح لتصريح أهل اللغة بأن الذرية النسل مطلقاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد