الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

المحاجة المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة. والحجة الدلالة المبينة للمحجة أي المقصد المستقيم كما قال الراغب، وأصل المحجة وسط الطريق المستقيم، وتطلق الحجة على كل ما يدلي به أحد الخصمين في إثبات دعواه أو رد دعوى خصمه، فتقسم إلى حجة ناهضة يثبت بها الحق، وحجة داحضة يموه بها الباطل، وإنما يسمى ما لا يثبت به الحق حجة على سبيل إدعاء الخصم، حكاية لقوله، واصطلحوا على تسميتها شبهة.

ولما حاج إبراهيم قومه ببيان بطلان عبادة الأصنام وربوبية الكواكب وإثبات وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وحده - وهي الحنيفية - حاجوه ببيان أوهامهم في شركهم، وقد بين الله تعالى في سورتي الأنبياء والشعراء أنهم إعتذروا له عن عبادة الأوثان والأصنام بتقليد آبائهم، وليس للمقلد أن يحتج، ولكنه يجادل ويحاج مع كونه لا يخضع للحجة إذا قامت عليه، ويؤخذ من هذه الآيات أنهم لما لم يجدوا حجة عقلية على شركهم بالله خوفوه أن تمسه آلهتهم بسوء.

والظاهر أن هذا كان قبل ما حكى الله تعالى عنه وعنهم في سورة الشعراء، بقوله:قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [الشعراء: 72-74] وقبل واقعة تكسيره لأصنامهم التي قال الله فيها من سورة الأنبياء إنهم رجعوا إلى أنفسهم فاعترفوا بظلمهم، ثم نكسوا على رؤوسهم مصرين على شركهم، وكثيراً ما يضطرب المقلد لسماع الحجة إذ يومض في قلبه برقها، ويهز شعوره رعدها ويكاد يحييه ودقها، ثم ينكس على رأسه، ويعود إلى سابق وهمه، خائفاً من غير مخوف، راجياً غير مرجو، كما نراه في عباد أصحاب القبور، الذين يتوهمون أن قبورهم وغيرها من آثارهم تدفع عمن زارها أو تمسح بها الضر وتكشف السوء، وتدر الرزق وتخزي العدو، إما بتصرفهم في الخلق، وإما لأنهم قربان عند الرب، ولا يرون ذلك ناقضاً للإيمان الصحيح بالله عز وجل:وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106] قال تعالى:

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } أي وجادله قومه بعدما تقدم من أمره معهم، وخاصموه في أمر التوحيد الذي قرره لهم، كأن زعموا كما روي وسمع من أمثالهم أن إتخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان بالله الفاطر سبحانه، لأنهم وسطاء وشفعاء عنده، ومتخذون لأجله، وذلك ما تقدم قريباً عن ابن زيد في تفسير قوله:إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [الأنعام: 79] وخوفوه بطشهم به فماذا قال عليه السلام؟

{ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أي أتجادلونني مجادلة صاحب الحجة في شأن الله تعالى وما يجب في الإيمان به - والحال أنه قد فضلني عليكم بما هداني إلى التوحيد الخالص والحنيفية التي أقمت بها الحجة عليكم، وأنتم ضالون بإصراركم على شرككم، وتقليدكم به من قبلكم؟ وقد خفف نون (تحاجوني) نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان وذلك بحذف إحدى النونين، وشددها سائر القراء، وهما لغتان للعرب في مثلها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9