الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

ضرب الله تعالى في الآية الأولى من هذه الآيات مثلاً يتضح لمن عقله من المشركين ما تقرر فيها وفي الآيات قبلها من بينات التوحيد ودلائله، ويظهر لهم سوء حالهم وقبح مآلهم في شركهم، ويعلل لهم ما بدئ به سياق الآيات الأخيرة فيه (أي التوحيد) من النهي عن دعاء غير الله وعن إتباع أهوائهم، ويشرح لهم مفهومه، ويفصل لهم مضمونه، ويبين لهم مثابله (وأعني بهذا السياق ما في حيز قوله تعالى:قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 56] إلخ. وحيز قوله:قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الأنعام: 63] وما يليه من الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة) وختم الآية بالأمر بالإسلام المقابل لطريق الضلال والهوى. وبدأ الآية الثانية ببيان أعظم أعمال طريق الهدى، والآيتان بعدها في التذكير بدلائل ذلك وعاقبته، وصدق وعيده تعالى وكمال علمه وحكمته فيه. قال:

{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ } روي عن السدي أن المشركين قالوا للمؤمنين إتبعوا سبيلنا وإتركوا دين محمد، فقال الله: { قُلْ أَنَدْعُواْ } الآية. وعن قتادة أنه قال في الآية: خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة. ولعل هذا مراد السدي إذ لا يظهر أن مراده أن المشركين قالوا ذلك مرة واحدة لبعض المؤمنين أو لجميعهم. بل كانوا يفتنون المسلمين دائماً ويدعونهم إلى العود إلى الكفر ومنه ما روي من دعوة عبد الرحمن بن أبي بكر (رضي الله عنهما) لأبيه إلى الشرك - فنزلت الآية رداً عليهم فلقنهم الله تعالى هذه الحجة المؤثرة بما فيها من المثل الجلي الواضح لحالي الشرك وضلاله والتوحيد وهدايته، في سياق حجج الحق الكثيرة في هذه السورة التي نزلت دفعة واحدة كما تقدم.

والإستفهام للإنكار والتعجب والمعنى قل أندعو - متجاوزين دعاء الله القادر على إستجابة دعائنا ما لا يضرنا ولا ينفعنا كالأصنام وسائر ما عبد من دون الله، ونرد على أعقابنا بالعود إلى ضلالة الشرك الفاضحة بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام.

ومن بلاغة هذه العبارة أنها بينت علة الإنكار والتعجب في الإستفهام من خمسة أوجه:

أحدها: إن دعاء غير الله تعالى تحوّل وإرتداد من دعاء القادر على كل شيء الذي يكشف ما يدعى إليه إن شاء، إلى دعاء العاجز الذي لا يقدر على نفع ولا ضر.

ثانيها: أنه نكوص على الأعقاب وتقهقر إلى الوراء، والعرب تقول فيمن عجز بعد قدرة، أو سفل بعد رفعة، أو أحجم بعد إقدام على محمدة: نكص على عقبيه، وارتد على عقبيه، ورجع القهقرى. والأصل فيه رجوع الهزيمة أو الخيبة والعجز عن السير المحمود، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9