الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

أنذر الله تعالى في الآيات السابقة هذه الأمة - أمة الدعوة - مثل العذاب الذي بعثه على مكذبي الرسل من الأولين، وعلى المتفرقين المختلفين في دينهم من أهل الكتاب، وجعل ذلك مع ما قبله من حجج القرآن وآياته المثبتة لكونه من عند الله، لا من عند رسوله الأمي الذي لم يكن يعلم شيئاً من أخبار الأمم ولا من سنن الله في مكذبي الرسل ومتبعيهم، تلك الآيات التي يرجى لمن تدبرها فقه الأمور وإدراك حقائق العلم.

وذكر بعد هذا الإنذار والبيان تكذيب قريش بالقرآن، وكون الرسول مبلغاً لا خالقاً للإيمان، وإحالتهم في ظهور صدق أنبائه على الزمان. ثم بين في هذه الآيات كيف يعامل الذين يخوضون في آيات الله بالباطل من هذه الأمة - أعني أمة الدعوة والذين اتخذوا دينهم هزواً ولعباً من كفارها الذين لم يجيبوا دعوتها، بما يعلم منه حكم من يدخل في عموم ذلك ممن أجابوهما، على نحو ما تقدم في الآيات التي قبلها، فقال:

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } روي عن أبي مالك وسعيد بن جبير وابن جريج وقتادة ومقاتل والسدي ومجاهد في إحدى الروايتين عنه أن هذه الآية في المشركين المكذبين الذين كانوا يستهزئون بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.

وروي عن ابن عباس وأبي جعفر ومحمد بن علي ومحمد ابن سيرين أنها في أهل الأهواء من المسلمين. وهذا الخلاف مبني على ما تقدم فيما قبلها من كونه يشمل المشركين وغيرهم. فمن قال إن هذه في المشركين فقط فإنما رجح ذلك بمعونة السياق والوقت الذي نزلت فيه الآيات بل السورة كلها في أوائل البعثة، ومن قال إنها في أهل الأهواء فإنما رجح ذلك بما ورد من الأحاديث المرفوعة في كون الإنذار بالعذاب موجهاً إلى هذه الأمة بجملتها - من أجاب دعوتها ومن لم يجب - وكون تفرقها شيعاً يذوق بعضهم بأس بعض أمراً مقضياً، مضت به سنة الله تعالى فلا مرد له.

والخطاب على الأول للنبي صلى الله عليه وسلم ويشاركه في حكمه كل من بلغه.

وعلى الثاني كل من يقرأ الآية ويسمعها.

والرواية الثانية عن مجاهد أنها في أهل الكتاب وهو بعيد إذ لا وجه لتخصيصهم لا من السياق - والسورة مكية - ولا من الأخبار المرفوعة في معناها، ولكن الخائضين منهم يدخلون في عمومها.

وأصل الخوض وحقيقته الدخول في الماء والمرور فيه مشياً أو سباحة وجدح السويق أي لت الدقيق باللبن، ويستعار لمرور الإبل في السراب، ووميض البرق في السحاب وللإندفاع في الحديث والاسترسال فيه، وللدخول في الباطل مع أهله، وبهذين المعنيين استعمل في القرآن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد