الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

ذكر الله تعالى هؤلاء الناس في الآيتين السابقتين ببعض آياته في أنفسهم، ومنته عليهم في وقائع أحوالهم، التي يشعر بها كل من وقعت له منهم، وكونه هو الذي ينجيهم من الظلمات والكروب، والأهوال والخطوب، إما بتسخير الأسباب، وإما بدقائق اللطف والإلهام، ثم قال:

{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } فهذا تذكير بقدرته على تعذيبهم، إثر التذكير بقدرته على تنجيتهم، لا فرق فيهما بين أفرادهم وبين مجموعهم وجملتهم، وإنذار بأن عاقبة كفر النعم، أن تزول وتحل محلها النقم. والمعنى قل أيها الرسول لقومك ومن وراءهم من الكافرين بنعم الله، الذين يشركون به سواه، ولا يشكرون له ما من به من النعم وأسداه، ومن الذين يتنكبون سنن الله، ويختلفون في الكتاب بعد أن هداهم به الله: هو الله القادر على أن يثير ويرسل عليكم عذاباً تجهلون كنهه فيصبه عليكم من فوقكم، أو يثيره من تحت أرجلكم، أو يلبسكم ويخلطكم فرقاً وشيعاً، مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة منكم تشايع إماماً في الدين، أو تتعصب لملك أو رئيس، ويذيق بعضكم بأس بعض، وهو ما عنده من الشدة والمكروه في السلم والحرب، وقال صاحب الكشاف بعد تفسير اللبس بالخلط: ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال من قوله:
وكتيبة لبستها بكتيبة   حتى إذا التبست نفضت لها يدي
أقول: وأصل معنى اللبس التغطية كاللباس وهذا التفريق والإختلاف بين الشيع كالغطاء يستر عن كل شيعة ما عليه الأخرى من الحق، وما في الإتفاق معها من المصلحة والخير، ولمادة (ش ي ع) ثلاثة معان أصلية في اللغة.

أحدها: الإنتشار والتفرق ومنه شاع وأشاع الأخبار وطارت نفسه شعاعاً.

ثانيها: الإتباع والدعوة إليه ومن الأول تشييع المسافر وتشييع الجنازة ومن الثاني قولهم أشاع بالإبل، أي دعاها إذا إستأخر بعضها ليتبع بعضها بعضاً.

ثالثها: التقوية والتهييج ومنه قولهم شيع النار إذا ألقى عليها حطباً يذكيها به، والشياع (بالفتح والكسر) ما تضرم به النار، وكل هذه المعاني ظاهرة في الشيع والأحزاب المتفرقة بالخلاف في الدين أو السياسة. وفسر ابن عباس الشيع بالأهواء المختلفة أي أصحابها.

وقد ورد في المأثور تفسير العذاب من فوق بالرجم من السماء، أي من جهة العلو - وكذا الطوفان - كما وقع لبعض الأمم القديمة، والعذاب من تحت الأرجل بالخسف والزلازل المعهودة في القديم والحديث.

وروي عن ابن عباس أن المراد بالفوق أئمة السوء - أي الحكام والرؤساء - وبالتحت خدم السوء.

وفي رواية (من فوقكم) يعني أمراءكم (أو من تحت أرجلكم) يعني عبيدكم وسفلتكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد