الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ }

لما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للمشركين أنه على بينة من ربه فيما بلغهم إياه من رسالته، وإن ما يستعجلون به من عذاب الله ونصره عليهم تعجيزاً أو تهكماً أو عناداً ليس عنده، وإنما هو عند الله الذي قضت سنته أن يكون لكل شيء أجل وموعد لا يتقدم ولا يتأخر عنه، وأنه تعالى هو الذي يقضي الحق ويقصه على رسوله، وبيده تنفيذ وعده ووعيده، - قفى على ذلك ببيان كون مفاتح الغيب عنده، وكون التصرف في الخلق بيده وكونه هو القاهر فوق عباده، لا يشاركه أحد من رسله ولا غيرهم في ذلك حتى يصح أن يطالبوا به، فقال عز وجل:

{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } المفاتح جمع مفتح - بفتح الميم - وهو المخزن وبكسرها - وهو المفتاح الذي تفتح به الأقفال، وقرئ في الشواذ " مفاتيح الغيب " ويؤيد هذه القراءة حديث ابن عمر الآتي في تفسير الآية.

ويجوز إستعمال اللفظ في معنييه أي أن خزائن الغيب وهو ما غاب علمه عن الخلق هي عند الله تعالى وفي تصرفه وحده، وأن المفاتيح أي الوسائل التي يتوصل بها إلى علم الغيب هي عنده أيضاً لا يعلمها علماً ذاتياً إلا هو، فهو الذي يحيط بها علماً وسواه جاهل بذاته لا يمكن أن يحيط علماً بها ولا أن يعلم شيئاً منها إلا بإعلامه عز وجل. وإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن يفوض إليه إنجاز وعده لرسوله بالنصر، ووعيده لأعدائه بالعذاب والقهر، مع القطع بأنه لا يخلف وعده رسله، وإنما يؤخر إنجازه إلى الأجل الذي اقتضته حكمته، وقد تقدم في تفسير هذه السورة بيان حقيقة الغيب واستئثار الله تعالى بعلمه وما يعلمه بعض خلقه من الحقيقي أو الإضافي منه وسنزيد ذلك بياناً.

{ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } قال الراغب: أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير. وقيل إن أصله الماء الملح وأطلق على الأنهار بالتوسع أو التغليب. والبر ما يقابله من الأرض، وهو ما يسميه علماء خرت الأرض باليابسة. وعلمه تعالى بما في البر والبحر من علم الشهادة المقابل لعلم الغيب، على أن أكثر ما في خفايا البر والبحر، غائب عن علم أكثر الخلق، وإن كان في نفسه موجوداً يمكن أن يعلمه الباحث منهم عنه، وقدم ذكر البر على البحر على طريقة الترقي من الأدنى إلى ما هو أعظم منه فإن قسم البحر من الأرض أعظم من قسم البر وخفاياه أكثر وأعظم.

{ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } أي وما تسقط ورقة ما من نجم أو شجر ما إلا يعلمها، لإحاطة علمه بالجزئيات كلها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد