الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

أرشدت الآيات الثلاث السابقة إلى دلائل وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، وأنها على ظهورها لم تمنع الكافرين من الشرك في الألوهية؛ وأرشدت إلى دلائل البعث وإلى أنها على قوتها لم تمنع المشركين من الشك فيه؛ وبينت الثالثة أن الله تعالى المتصف بالصفات التي يعرفونها ولا ينكرونها هو الله في عالمي السماوات والأرض، المحيط علمه بكل شيء، فلا ينبغي أن يتخذ معه إله فيهما.

ولكن المشركين جهلوا ذلك فجوزوا أن يكون غير الرب إلها وعبدوا معه آلهة أخرى، فبين لهم الوحي الحق في ذلك، وأن الله الذي يعترفون بأنه هو رب السماوات والأرض وما فيهن هو الإله المعبود بالحق فيهن - ثم أرشدت هذه الآيات الثلاث اللاحقة إلى سبب عدم إهتدائهم بالوحي، وأنذرتهم عاقبة التكذيب بالحق، ويتلو ذلك في الآيات التي بعدهن كشف شبهاتهم على الوحي وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون الكلام في أصول الدين كلها وكل السورة تفصيل له.

قال عز وجل: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي لم يكن كل أمرهم أنهم لم يستدلوا بما ذكر في الآية الأولى من البينات على التوحيد، ولا بما ذكر في الثانية على البعث، ولم ينظروا فيما يستلزمه كونه سبحانه هو الله في السماوات وفي الأرض، المحيط علمه بالسر والجهر وكسب العبد، بل يعطف على هذا ويزاد عليه أنهم أضافوا إلى عدم الإهتداء بالآيات الثابتة الدائمة التي يرونها في الآفاق وفي أنفسهم، عدم الإهتداء بالآيات المتجددة التي تهديهم إلى تلك وتبين لهم وجه دلالتها، وهي آيات القرآن المرشدة إلى آيات الأكوان، والمثبتة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي معناها كل ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من المعجزات، وذلك أنهم لا تأتيهم آية من هذه الآيات من عند ربهم - ولا يقدر عليها غيره - إلا كانوا معرضين عنها، غير متدبرين لمعناها، ولا ناظرين فيما تدل عليه وتستلزمه فيهتدوا به.

وأصل الإعراض التولي عن الشيء الذي يظهر به عرض المتولي المدبر عنه. أي فهم لهذا الإعراض عن النظر في الآيات المنزلة وما فيها من الإعجاز العلمي واللفظي يظلون معرضين عن الآيات الكونية الدائمة الدالة على أن هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء هو الحقيق بالألوهية وحده، وأنه لا يجوز أن يدعى غيره ولا أن يعبد سواه، لأن الربوبية والألوهية متلازمتان. فالآيات الدالة على أن الرب واحد دالة أيضاً على أنه هو الإله وحده، ولولا إعراضهم عن النظر في ذلك والتأمل فيه عناداً من رؤسائهم، وجموداً على التقليد من دهمائهم، وهو المانع من النظر والإستدلال، لظهر لهم ظهوراً لا يحتمل المراء ولا يقبل الجدال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7