الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } * { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ }

بعد أن أرشد الله تعالى رسوله إلى ما تقدم من سياسة المؤمنين، وتبليغهم ما ذكر من أصول حكمة الدين، عاد إلى تلقينه ما يحاج به المشركين، من بلاغ الوحي وناصع البراهين، فقال:

{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } النهي الزجر عن الشيء بالقول - مثل لا تكذب واجتنب قول الزور - والكف عنه بالفعل ومنه قوله تعالى:وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النازعات: 40] والدعاء النداء وطلب إيصال الخير أو دفع الضر من الأعلى، وإنما يكون عبادة إذا كان في أمر وراء الأسباب المسخرة للعباد التي ينالونها بكسبهم لها واجتهادهم فيها وتعاونهم عليها فإن ما نعجز عن نيله بالأسباب المسخرة لنا لا نطلبه إلا من الخالق المسخر للأسباب - وقد بينا ذلك مراراً كثيرة - فالله تعالى يقول لرسوله هنا قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى إني نهيت أن أعبد الذين تدعونهم وتستغيثونهم من دون الله أي غير الله من الملائكة وعباد الله الصالحين بله ما دونهم من الأصنام والأوثان التي لا علم لها ولا عمل.

وهذا النهي يصدق بنهي الله تعالى إياه عن ذلك في آيات القرآن الكثيرة وأمره بضده وهو دعاء الله تعالى وحده، وبنهي العقل والفطرة السليمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة موحداً، ولم يكن قط مشركاً، ولأجل هذا قال نهيت بالبناء للمفعول { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } أي قل لهم لا أتبع أهواءكم في عبادتهم ولا في غيرها من أعمالكم التي تتبعون بها الهوى، ولستم في شيء منها على بينة ولا هدى، ولماذا؟ لأنني إن اتبعتها فقد ضللت ضلالا أخرج به من جنس المهتدين فلا أكون منهم في شيء فإن هذا الضلال لا يقاس بغيره لأنه هو الضلال البعيد عن صراط الهدى.

{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي قل لهم أيها الرسول أيضاً إني فيما أخالفكم فيه على بينة من ربي هداني إليها بالوحي والعقل، والبينة كل ما يتبين به الحق، من الحجج والدلائل العقلية، والشواهد والآيات الحسية، ومنه تسمية شهادة الشهود بينة، والقرآن بينة مشتملة على أنواع كثيرة من البينات العقلية والكونية فهو على كونه من عند الله تعالى للقطع - بعجز الرسول كغيره عن الإتيان بمثله - مؤيد بالحجج والبينات المثبتة لما فيه من قواعد العقائد وأصول الهداية.

{ وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي والحال أنكم كذبتم به أي بالقرآن الذي هو بيّنتي من ربي، فكيف تكذبون أنتم ببينة البينات، على أظهر الحقائق وأبين الهدايات، ثم تطمعون أن أتبعكم على ضلال مبين، ولا بينة لكم عليه إلا محض التقليد، وما كان التقليد بينة من البينات، وإنما هو براءة من الإستدلال ورضاء بجهل الآباء والأجداد؟ فالكلام حجة مسكتة مبكتة على ما قبلها من نفي عبادته صلى الله عليه وسلم للذين يدعونهم من دون الله.

السابقالتالي
2 3