الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

هاتان الآيتان متممتان للسياق فيما قبلهما بالجمع بين الإرشاد السلبي والإيجابي للرسول صلى الله عليه وسلم في سياسته للمؤمنين، فبعد أن نهاه ربه عن طرد المستضعفين منهم من حضرته استمالة الكبراء المتكبرين من قومه وطمعاً في إقبالهم عليه وسماعهم لدعوته وإيمانهم به كما اقترح عليه بعضهم - أمره بأن يلقاهم كسائر المؤمنين بالتحية والسلام والتبشير برحمة الله ومغفرته على الوجه المبين في الآية الأولى من هاتين الآيتين.

وقد تقدم في سبب نزولوَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } [الأنعام: 52] من رواية عكرمة أن عمر بن الخطاب كان استحسن إجابة أشراف الكفار إلى إقتراحهم وأنه لما نزلت الآيات في ذلك أقبل فاعتذر فنزلت هذه الآية في قبول إعتذاره، وتقدم أن الرواية ضعيفة وأن هذه الزيادة فيها غير مقبولة، وإن روايات نزول الأنعام دفعة واحدة أقوى منها وهي معارضة لها.

والآن رأيت في التفسير الكبير للرازي استشكال هذا باتفاق الناس على نزول هذه السورة دفعة واحدة، وقد تقدم التحقيق في مسألة نزول السورة دفعة واحدة وفي زيادة رواية عكرمة. ويعارضه أيضاً ما أخرجه جل رواة التفسير المأثور عن ماهان قال أتى قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا أصبنا ذنوباً عظاماً، فما رد عليهم شيئاً فانصرفوا فأنزل الله { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا } الآية فدعاهم فقرأها عليهم. ولكن الرواية من مراسيل ماهان لا يحتج بها وليست صريحة كرواية عكرمة في معارضة نزول السورة دفعة واحدة، إذ يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلاها على من سألوه عن ذنوبهم عند نزولها في ضمن السورة ومثل هذا التعبير كثير في كلام رواة التفسير.

والظاهر أن الآية نزلت في معاملة جميع المؤمنين لا في عمر وحده كما في رواية عكرمة، ولا فيمن سألوه عن ذنوبهم كما في رواية ماهان - وإن فرضنا صحة الروايتين - ولا فيمن نهي عن طردهم خاصة كما يقول بعض المفسرين، بل في جماعة المؤمنين الذين كان أكثرهم من الفقراء المستضعفين الذين اقترح عليه صلى الله عليه وسلم طردهم فيدخلون فيها بمعونة السياق دخولا أوليا. وهذا ما تفهمه عبارتها وما سواه فمتكلف لتطبيقه على الروايات.

وبعد كتابة ما تقدم والتوجه إلى بيان معنى الآية ومراجعة المصحف الشريف فيها وفيما قبلها كان أول ما تبادر إلى ذهني إن المراد بالذين يؤمنون بالآيات هنا هم الذين كانوا يدخلون في الإسلام آنا بعد آن، عن بينة وبرهان، لا من آمنوا وأسلموا من قبل ممن نهي عن طردهم وغيرهم، ذلك بأن الفعل المضارع " يؤمنون " يفيد وقوع الإيمان في الحال أو الاستقبال، ولا يعبر به عمن آمنوا في الماضي إلا بضرب من التجوز في الاستعمال، - كما يعبر بالماضي عن المستقبل أحياناً لنكتة تقتضي ذلك - كإرادة تصوير ما مضى كأنه واقع الآن، أو إفادة ما يتلو ذلك الماضي من التجدد والإستمرار، ولا يظهر شيء من ذلك في هذه الآية ظهوراً بينا يرجح صرف الفعل عن أصل معناه ولكن قد يراد به التعبير عن الشأن فإنه يكثر في الفعل المضارع إذا كان صلة للموصول، ويرجح الأصل هنا تطبيق السياق على حال الناس في زمن نزول السورة والجملة الشرطية التي افتتحت بها الآية، وإننا نبين ذلك بما يظهر به التناسب بين الآيات أتم الظهور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6