الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

إن الآيات الأربع التي قبل هذه الآيات قد بينت أركان الدين وأصول العقائد، وهي توحيد الله عز وجل، والرسالة أو وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام والجزاء على الأعمال. وقد جاءت الآيتان الأوليان من هذه الآيات الأربع بعدهن مفصلتين لما فيهن من بيان وظيفة الرسل العامة بتطبيقها على خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وإزالة أوهام الناس فيها، ومن بيان أمر الجزاء في الآخرة وكون الأمر فيه لله تعالى وحده على الوجه الذي يزيد عقيدة التوحيد تقريراً وتأكيداً، وبياناً وتفصيلا. وذهب الرازي إلى أن هذا من بقية الكلام على قوله:وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [الأنعام: 37] وما قلناه أظهر. وقد بدأت الآية الأولى بالأمر بالقول على ما علمنا من أسلوب هذه السورة في بيان المسائل التي يتعلق بها التبليغ فقال عز وجل:

{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } أي قل أيها الرسول الذي لم يبعث إلا كما بعث غيره من الرسل مبشراً من أجاب دعوته بحسن الثواب ومنذراً من ردها سوء العقاب، لهؤلاء الكفار المشاغبين لك بغير علم يميزون به بين شؤون الألوهية وحقيقة الرسالة، الذين يقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أن البشر لا يقدرون عليه، لأنهم - وإن قالوه تعجيزاً - يتوهمون أن الرجل من البشر لا يكون رسولا إلا أن يخرج من حقيقة البشرية ويصير إلهاً قادراً على ما لا يقدر عليه البشر، وعالماً بكل ما يعجز عن علمه البشر، وإن لم يكن من موضوع الرسالة التي عهد إليه أمر تبليغها، أو يصير ملكاً من الملائكة في متعلق قدرته ومتناول علمه، لأن أمر الرسالة في خيالهم ينافي البشرية التي حقرها في أنفسهم جهلهم وسوء حالهم وفساد أعمالهم.

قل لهؤلاء: لا أقول لكم عندي خزائن الله أتصرف بما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشؤون المخلوقات، فالخزائن جمع خزينة أو خزانة وهي ما يخزن فيها الشيء من يريد حفظه ومنع غيره من التصرف فيه،وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [المنافقون: 7] يتصرف فيها كما يشاء، ولا يقدر أحد من خلقه على التصرف في شيء منها إلا ما أعطاه تعالى إياه، ومكنه من التصرف فيه.

والمتصرف بما يعطى من الخزانة لا يكون متصرفاً في الخزانة نفسها. فالمستخدمون عند الملك أو الرجل الغني يعطون أجورهم من خزانته فيتصرفون فيها دون الخزانة، وجميع الأحياء العاملين يتصرفون بما يعطيهم الله تعالى من خزائن الموجودات، كل بحسب ما أوتي من الإستعداد.

في دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا يقدر أحد منهم أن يتجاوز إلى ذلك ما لم يؤته ولم يصل إليه استعداده، فالتصرف المطلق في كل شيء إنما هو لله القادر على كل شيء، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول - المبلغ عن الله تعالى أمر دينه - قادراً على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف في المخلوقات بالأسباب، فضلاً عن التصرف الذاتي بغير سبب الذي طلبه المشركون منه، وجعلوه شرطاً للإيمان له، كتفجير الينابيع والأنهار من أرض مكة وإيجاد الجنّات والبساتين فيها، وإسقاط السماء عليهم كسفاً، والإتيان بالله والملائكة قبيلاً، وغير ذلك مما اقترحوه وحكاه الله تعالى عنهم في سورة الإسراء وغيرها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد