الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

إن القول في مناسبة هذه الآيات لما قبلها كالقول فيما قبلها سواء، فهي ضرب من ضروب الدعوة إلى التوحيد والرسالة بوجه آخر من وجوه: الإحتجاج، قال تعالى:

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ }؟ أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت من التوحيد والهدى أرأيتم ماذا يكون من شأنكم مع آلهتكم الذين تدعونهم راجين شفاعتهم إن أصمكم الله تعالى فذهب بسمعكم، وأعماكم فذهب بأبصاركم، وختم على قلوبكم وألبابكم، التي هي مراكز الفهم والشعور والعقل من أنفسكم، فأصبحتم لا تسمعون قولاً، ولا تبصرون طريقاً، ولا تعقلون نفعاً ولا ضراً، ولا تدركون حقاً ولا باطلا، - من إله غير الله يأتيكم بذلك، أو بما ذكر مما أخذ الله منكم؟ أي لا إله غيره فيقدر على إتيانكم به، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك، وإذا كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون فلماذا تدعونهم والدعاء عبادة لا يكون إلا للإله القدير؟

{ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } أي انظر كيف ننوع الحجج والبينات الكثيرة ونجعلها على وجوه: شتى ليتذكروا ويقتنعوا، فينيبوا ويرجعوا، ثم هم يعرضون عنها، ويتجنبون التأمل فيها، يقال صدف عن الشيء صدفاً وصدوفاً إذا أعرض اعراضاً شديداً، وقيل إنه مأخوذ من صدفة الجبل أي جانبه ومنقطعة. والعطف بثم يفيد الإستبعاد لأن تصريف الآيات والدلائل سبب غاية الإقبال، فكان من المستبعد في المعتاد والمعقول أن يترتب عليه منتهى الإعراض، وقد سبق مثل هذا في أول السورة. ويليه في أوائلها الكلام في أعراضهم عن الآيات، وقد فصلنا القول في تفسيره تفصيلا.

{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الظالمين أرأيتكم أنتم أنفسكم كيف يكون شأنكم - أو أخبروني عن مصيركم - إن أتاكم عذاب الله الذي مضت سنته في الأولين، بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين، مباغتاً ومفاجئاً لكم - أو إتيان مباغتة - فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارة تشعركم بقرب نزوله بكم، أو أتاكم ظاهراً مجاهراً - أو إتيان جهرة - بحيث ترون مباديه ومقدماته بأبصاركم. هل يهلك به إلا القوم الظالمون منكم، وهم المصرون على الشرك وأعماله عناداً وجحوداً، إذ مضت سنّته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين. فكأنه قال لا يهلك به غيركم، وإنما تهلكون بظلمكم لأنفسكم وجنايتكم عليها.

وقد ظن بعض المفسرين أن هذا من العذاب الذي يكون عاماً يؤخذ فيه غير الظالم بجريرة الظالم، كالمصائب التي تحل بالأمم من جراء ظلمهم وفجورهم الذي يفضي إلى ضعفهم والإعتداء على إستقلالهم، أو إلى تفشي الأمراض أو المجاعات فيهم، فتكلفوا في تفسير الآية تكلفاً يصححون به ظلمهم، فزعموا أن هلاك غير الظالم بهذا العذاب لا ينافي الحصر لأنه يكون عذاباً في الظاهر فقط.

السابقالتالي
2 3