الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } * { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

هذا قول مستأنف أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى المشركين مذكراً إياهم بما أودع في فطرتهم من توحيده عز وجل ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض فاسد يشغل أذهانهم ومخيلاتهم في وقت الرخاء، وما يخف حمله من البلاء، حتى إذا ما نزل بهم ما لا يطاق من اللأواء، وأثار تقطع الأسباب في أنفسهم ضراعة الدعاء، دعوا الله وحده مخلصين له الدينلَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [يونس: 22] وضل عنهم ما كانوا يدعون من الأصنام والأوثان، وما وضعت رمزاً له من مُلك أو إنسان، لأن هذا دعاء القلب لا دعاء اللسان، - ذكرهم بهذا بعد تذكيرهم بالمشابهة بين أمم الناس وأمم الحيوان، وحال من فسدت قواهم الفطرية من الناس، ولذلك قفى عليه بذكر من تركوا التضرع له تعالى حين البأس، وقبل أن يحيط بهم اليأس فابتلاهم بالسراء والنعماء، بعد البأساء والضراء، فأعقبهم بدل الشكر فرح البطر، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى:

{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } قوله تعالى: { أَرَءَيْتَكُمْ } هو عند جمهور علماء العربية بمعنى " أخبروني " والتاء ضمير رفع والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له وتتغير حركته باختلاف المخاطب دون التاء فتظل مفتوحة في المؤنث والمثنى والجمع، وقد أطالوا القول في المذاهب والآراء في إعرابه ومعناه في كتب اللغة وبعض كتب التفسير.

وأقول إن هذه الصيغة " أرأيتكم " في خطاب الجمع بالكاف والميم لم تذكر إلا في هذه الآية وفي الآية الآتية بعد بضع آيات وذكرت في خطاب المفرد بالكاف في قوله تعالى من سورة الإسراء:أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } [الإسراء: 62] إلخ وليس في هذه الآية إستفهام في الجملة الشرطية، ولكن المفسرين قدروا فيها إستفهاماً محذوفاً. قال البيضاوي كغيره: والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي؟ وجعل قوله بعد ذلك:لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [الإسراء: 62] إلخ - كلاماً مبتدأ.

وقد استعمل أرأيت وأرأيتم - بدون كاف - مثل هذا الإستعمال في أكثر من عشرين آية أكثرها قد صرح فيه بعدها بالإستفهام فمنه في جملة غير شرطية قوله تعالى:أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [الفرقان: 43] وقوله:قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الأحقاف: 4] ومثلها الآيات التي في سورة الواقعة. ومنه في الجمل الشرطيةأَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } [الشعراء: 205-207] ومثلها الآيات التي في آخر سورة العلق والآيات التي في آخر سورة الملك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9