الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

إن هاتين الآيتين مؤيدتان لما قبلهما ومتممتان له، فإنه بين في الآيات قبلهما أن الظالمين من مشركي مكة جحدوا بآيات الله جحود عناد لا تكذيب وضرب لهم مثل الذين كذبوا الرسل من قبل ولم يهتدوا بما أوتوا من الآيات المقترحة ولا غيرها - بعد هذا بين في هاتين الآيتين أنواعاً من آياته تعالى في أنواع الحيوان، وأن المكذبين بآيات الله لم يهتدوا بها، بل ظلوا في ظلمات جهلهم حتى كأنهم لم يروها ولم يسمعوا بها.

وذكر الرازي في وجه النظم ومناسبة الآية الأولى لما قبلها وجهان:

(الأول) - أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لو كان إنزال سائر المعجزات مصلحة لفعلها ولأظهرها إلا أنه لما لم يكن إظهارها مصلحة للمكلفين لا جرم ما أظهرها.

وهذا الجواب إنما يتم إذا ثبت إنه تعالى يراعي مصالح المكلفين ويتفضل عليهم بذلك، فبين أن الأمر كذلك وقرره بأن قال: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } في وصول فضل الله وعنايته ورحمته وإحسانه إليهم، وذلك كالأمر المشاهد المحسوس، فإذا كانت آثار عنايته واصلة إلى جميع الحيوانات فلو كان في إظهار هذه المعجزات القاهرة مصلحة للمكلفين لفعلها ولأظهرها، ولامتنع أن يبخل بها، مع ما ظهر إنه لم يبخل على شيء من الحيوانات بمصالحها ومنافعها، وذلك يدل على أنه تعالى إنما لم يظهر تلك المعجزات لأن إظهارها يخل بمصالح المكلفين، فهذا هو وجه النظم والمناسبة بين هذه الآية وبين ما قبلها والله أعلم.

(الوجه الثاني - في كيفية النظم): قال القاضي إنه تعالى لما قدم ذكر الكفار وبين أنهم يرجعون إلى الله ويحشرون، بيّن أيضاً بعده بقوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ }... في أنهم يحشرون. والمقصود بيان أن الحشر والبعث كما هو حاصل في حق الناس فهو أيضاً حاصل في حق البهائم. اهـ. بنصه.

والقارئ يرى أن الوجه الثاني الذي اعتمده القاضي من كبار مفسري المعتزلة ليس مبنياً على مسألة خاصة بهم. وأما الوجه الأول الذي اعتمده الرازي من كبار مفسري الأشعرية ومتكلميهم فهو مبني على مذهب المعتزلة وفريق من أهل السنة دون الأشعرية في رعاية مصلحة المكلفين في أحكام الباري تعالى وأفعاله المتعلقة بشؤونهم.

والإمام الرازي قد أثبت المصلحة هنا وفي مواضع أخرى ولكنه كثيراً ما يردها أو يرد ما بني عليها.

والذي عليه المحققون أن مسألة الصلاح والأصلح ثابتة لا ريب فيها وأن الخطأ والضلال إنما هو في قولهم أن ذلك واجب عليه سبحانه وتعالى، وليس عندنا نقل صحيح صريح عن المعتزلة في ذلك، ونقل المخالف لا يعتد به كما قال الفقهاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد