الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

بين الله تعالى لنا في هذه الآيات شأناً آخر من شؤون الكفار المكذبين بآياته في الدنيا وهو غرورهم بها، وإفتتانهم بمتاعها، وإنكارهم البعث والجزاء، وما يقابله من حالهم في الآخرة يوم يكشف الغطاء، وهو ما يكون من حسرتهم وندمهم على تفريطهم السابق، وإفتتانهم بذلك المتاع الزائل، وقفى عليه ببيان حقيقة الدنيا والمقابلة بينها وبين الآخرة، فقال عز من قائل:

{ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } قيل إن هذه الآية تتمة لما سبقها، وإن " قالوا " فيها معطوف على " عادوا " فيما قبلها، أي لو رُدّ أولئك إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر وسيء الأعمال، وصرحوا ثانية بما كانوا عليه من إنكار البعث والجزاء، والظاهر المختار ما بيّناه آنفاً، فالعطف فيه عطف جمل مستأنف، و(إن) في إبتداء مقول القول نافية بمعنى " ما " أي وقال أولئك المشركون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا لا حياة بعدها، وما نحن بمبعوثين بعد الموت. وسنذكر ما يستلزمه هذا الإعتقاد من الشر والفساد في آخر تفسير هذه الآيات.

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } تقدم تفسير مثل هذا التعبير قريباً. ووقفهم على ربهم عبارة عن وقف الملائكة إياهم في الموقف الذي يحاسبهم فيه ربهم، وإمساكهم فيه إلى أن يحكم بما شاء فيهم، فهو من قبيل:
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم   
أي يقفون مطيهم عندي وقوفاً، ولا يشترط في هذا أن يكونوا في مكان أعلى من المكان الذي فيه هو فيه. أو المعنى يحبسونها علي بإمساكها عندي. وإنما عدي الوقف والوقوف الذي بهذا المعنى بعلى - وكذا الحبس والإمساك الذي فسر به - لدلالته على معنى القصر، قال تعالى:فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 4] أي مما أمسكته الجوراح مقصوراً عليكم فلم تأكل منه لأجلكم، وكذلك حبس العقار ووقفه على الفقراء وسائر وجوه: البر فيه معنى قصره على ذلك. والذين تقفهم الملائكة وتحبسهم في موقف الحساب إمتثالا لأمر الله تعالى فيهم:وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [الصافات: 24] يكونون مقصورين على أمر الله تعالى، أو يكون أمرهم مقصوراً على الله تعالى لا يتصرف فيه غيرهيَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الإنفطار: 19] وإنما أطلت في بيان كون إستعمال " وقف " هنا متعدياً بعلى بمعنى ما تقدم قريباً في تفسير قوله تعالى:وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [الأنعام: 27] لأن المفسرين اضطربوا في التعدية هنا فحمل الكلام بعضهم على التمثيل، وبعضهم على الكناية، وبعضهم على مجاز الحذف أو على غيره من أنواع المجاز، وجعله بعضهم من الوقوف على الشيء معرفة وعلما، وجاء بعضهم بتأويلات أخرى لا حاجة إلى ذكرها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد