الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

بين الله تعالى لنا في الآيتين اللتين قبل هاتين حال من فقدوا الإستعداد للإيمان من المشركين الظالمين لأنفسهم، وخص بالذكر طائفة منهم وهي التي تلقي السمع مصغية للقرآن ولا يدخل من باب سمعها إلى بيت قلبها شيء منه، لما على القلب من أكنة التقليد، والإطمئنان بالشرك التليد، والإستنكار لكل شيء جديد؛ فهم يستمعون ولا يسمعون، ولا يكتفون بذلك بل ينهون عنه وينأون وهم ناؤون منتهون، وما يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون. ثم بين في هاتين الآيتين بعض ما يكون من أمرهم وأمر أمثالهم يوم القيامة، وقفى عليه ببيان كنه حالهم في فقد الإستعداد للإيمان، وأنه بلغ مبلغاً لا يؤثر فيه كشف الغطاء ورؤية العيان، فقال عز من قائل:

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } { لَوْ } شرطية حذف جوابها لتذهب النفس في تصوره كل مذهب، وذلك أبلغ من ذكره، ومنه المثل " لو غيرُ ذات سوار لطمتني " و " وقفوا " بالبناء للمفعول أي وقفهم غيرهم، يقال: وقف الرجل على الأرض وقوفاً. ووقف على الأطلال أي عندها مشرفاً عليها، أو قاصراً همه عليها - وعلى الشيء: عرفه وتبيّنه. ووقف نفسه على كذا وقفاً: حبسها كوقف العقار على الفقراء. ووقف الدابة وقفاً جعلها تقف. والمعنى ولو ترى أيها الرسول - أو أيها السامع - بعينيك هؤلاء الضالين المكذبين إذ تقفهم ملائكة العذاب على النار فيقفون عندها مشرفين عليها من أرض الموقف - وهي هاوية سحيقة، أو مقصورين عليها لا يتعدونها - أو يقفون على الصراط، أو لو ترى إذ يدخلونها فيقفون على ما فيها من العذاب الأليم بذوقهم إياه " من ذاق عرف " - أي لو ترى ما يحل بهم حينئذ وما يكون من أمرهم ومن ندمهم على كفرهم ومن حسرتهم وتمنيهم ما لا ينال - لرأيت أمراً عظيماً لا تدركه العبارة ولا يحيط به الوصف.

وقد ذكر ما يكون من وقفهم على النار وما يترتب عليه من قولهم بصيغة الماضي الواقع في حيز الشرط المستقبل للإعلام بتحقق وقوعه، على القول المشهور في مثله، وقال الرازي في تعليله: إن كلمة " إذ " تقام مقام " إذا " إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد وإزالة الشبهة لأن الماضي قد وقع واستقر فالتعبير عن المستقبل باللفظ الموضوع للماضي يفيد المبالغة من هذا الاعتبار.

وأما قوله تعالى: { فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فقد عطف بالفاء للدلالة على أن أول شيء يقع حينئذ في قلوبهم، ويسبق التعبير عنه إلى ألسنتهم، هو الندم على ما سلف منهم، وتمني الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6