الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قد ختم الله تعالى هذه السورة بهذه الآيات الكريمة الجامعة فكانت خير الخواتيم في براعة المقطع. ذلك بأننا بينا في مواضع من تفسيرها أنها أجمع السور لأصول الدين وإقامة الحجج عليها ودفع الشبه عنها، ولإبطال عقائد الشرك وتقاليده وخرافات أهله، وهذه الخاتمة مناسبة لجملة السورة في أسلوبها ومعانيها.

ذلك بأنه كان مما امتازت به السورة كثرة بدء الآيات فيها بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمة " قل " لأنها لتبليغ الدعوة، كما كثر فيها حكاية أقوال أهل الشرك والكفر مبدوءة بكلمة (وقالوا) مع التعقيب عليها بكشف الشبهة وإقامة الحجة - ترى بعد هذا وذاك في آخر العشر الأول وأول العشر الثاني منها - فجاءت هذه الخاتمة بالأمر الأخير له صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لهم القول الجامع لجملة ما قبله، وهو أن ما فصل في السورة هو صراط الله المستقيم، ودينه القيم الذي هو ملة إبراهيم، دون ما يدعيه العرب المشركون، وأهل الكتاب المحرفون، وأنه عليه صلوات الله وسلامه إنما يدعو إليه وهو معتصم به قولاً وعملاً وإيماناً وتسليماً على أكمل وجهه، فهو أول المسلمين، وأخلص الموحدين، وأخشع العابدين، بما جاء به من تجديد الدين وإكماله، بعد تحريفه وانحراف جميع الأمم عن صراطه، وأن توحيد الألوهية الذي يخالفنا فيه المشركون مبني على توحيد الربوبية الذي هم به مؤمنونوَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106] وأن الجزاء عند الله على الأعمال مبني على عدم انتفاع أحد أو مؤاخذته بعمل غيره وأن المرجع إلى الله تعالى وحده، وأن له تعالى سنناً في استخلاف الأمم واختبارها بالنعم والنقم وأنه هو الذي يتولى عقاب المسيئين والرحمة للمحسنين وكل ذلك مما يهدم أساس الشرك الذي هو الإتكال على الوسطاء بين الله والناس في غفران ذنوبهم وقضاء حاجتهم.

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي قل أيها الرسول الخاتم للنبين لقومك وسائر أمة الدعوة وهم جميع البشر: إنني أرشدني ربي وأوصلني بما أوحاه إلي بفضله واختصاصه في هذه السورة وكذا غيرها إلى طريق مستقيم يصل سالكه إلى سعادة الدارين - الدنيا والآخرة - من غير عائق ولا تأخير لأنه لا عوج فيه ولا اشتباه.

كما قال في آية أخرى:وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] وهو الذي أدعوكم إلى طلبه منه تعالى في مناجاتكم إياه:ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] { دِيناً قِيَماً } أي أن هذا الصراط المستقيم هو الدين الذي يصلح ويقوم به أمر الناس في المعاش والمعاد فقوله: { دِيناً } بدل من صراط مستقيم باعتبار المحل و { قِيَماً } صفة له قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بكسر القاف وفتح الياء على أنه مصدر نعت به للمبالغة وكان قياسه " قوماً " كعوض ولكنه أعل تبعاً لفعله " قام " كالقيام وأصله القوام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد