الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

بين الله تعالى في السياق الأخير من هذه السورة أصول الدين في الآداب والفضائل، في أثر تفصيل السورة لجميع أصول العقائد، وقفى على ذلك بالإعذار إلى كفار مكة ومن يتبعهم من العرب الذين كانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم المجاورة لهم من أهل الكتاب فلما جاءهم النذير استكبروا وزادوا نفوراً عن الإيمان.

وقرن هذا الإعذار بالإنذار الشديد والوعيد بسوء العذاب في الآية التي قبل هذه الآية وفي هذه أيضاً فإنه حصر فيها ما أمامهم وأمام غيرهم من الأمم بما يعرفهم بحقيقة ما ينتظرون في مستقبل أمرهم وأنه غير ما يتمنون من موت الرسول وانطفاء نور الإسلام بموته صلوات الله وسلامه عليه فقال:

{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } أي أنهم لا ينتظرون إلا أحد هذه الثلاثة بمعنى أنه ليس أمامهم غاية ينتهون إليها في نفس الأمر أو بحسب سنن الله في الخلق إلا أن تأتيهم - وقرأ حمزة والكسائي يأتيهم - الملائكة أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم فرادى أو ملائكة العذاب لاستئصالهم (وهذا الأخير خاص بالأمم التي يعاند الرسل سوادها الأعظم بعد أن يأتوها بالآيات المقترحة) أو يأتي ربك أيها الرسول.

قيل: إن إتيان الرب تعالى عبارة عن إتيان ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من النصر وأوعد به أعداءه من عذابه إياهم في الدنيا كما قال في الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله:فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [الحشر: 2] الآية، وقيل إتيان أمره بالعذاب أو الجزاء مطلقاً. فهاهنا مقدر دل عليه قوله في سورة النحل التي تشابه هذه السورة في أكثر مسائلها:هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [النحل: 33] وقيل بل المراد إتيانه سبحانه وتعالى بذاته في الآخرة بغير كيف ولا شبه ولا نظير، وتعرفه إلى عباده ومعرفة أهل الإيمان الصحيح إياه وروي عن ابن مسعود { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قال عند الموت { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } قال يوم القيامة، وعن قتادة مثله، وعن مقاتل في قوله: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } قال يوم القيامة في ظلل من الغمام.

وقد بينا هذا الوجه في تفسير قوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } [البقرة: 210] ونقلنا فيه عن الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى قولاً نفيساً فليراجع (ج2 تفسير) ولكن يضعف هذا الوجه هنا ذكره ثانياً، ولو كان هو المراد لجعل الأخير لأنه آخر ما ينتظر أو الأول لعظم شأنه.

السابقالتالي
2 3 4