الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } * { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

قد كان ما تقدم من هذه السورة بياناً مفصلاً لعقائد الإسلام في الإلهيات والنبوة والبعث ودحضاً لشبهات المشركين التي كانوا يحتجون بها على شركهم وتكذيبهم للرسل وإنكارهم للبعث، وعلى أعمالهم التي هي مظاهر شركهم من تحريم وتحليل، وخرافات وتضليل، وأوهام وأباطيل، وقد جاء في هذه الآيات بشبهة من أكبر شبهاتهم التي ضل بمثلها كثير من الكفار قبلهم، ولم يكونوا أوردوها على الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى جعل هذه السورة جامعة لكل ما يتعلق بتقرير العقائد وإثباتها بالحجة الناهضة، وإبطال ما يرد عليها من الشبهات الداحضة، ما قيل منها، وما سيقال للرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزولها، فذكرها ورد عليها بما يبطلها، فكان ذلك من إخباره بأمور الغيب قبل وقوعها، وذلك قوله عزّ وجّل:

{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } أي سيقول هؤلاء المشركون لو شاء الله تعالى أن لا نشرك به من اتخذنا له من الأولياء والشفعاء من الملائكة والبشر وأن لا نعظم ما عظمنا من تماثيلهم وصورهم أو قبورهم وسائر ما يذكر بهم - وأن لا يشرك آباؤنا من قبلنا كذلك لما أشركوا ولا أشركنا - ولو شاء أن لا نحرم شيئاً مما حرمنا من الحرث والأنعام وغيرها لما حرمنا.

أي ولكنه شاء أن نشرك هؤلاء الأولياء والشفعاء به وهم له يقربوننا إليه زلفى، وشاء أن نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها فحرمناها، فإتياننا ما ذكر دليل على مشيئة الله تعالى له، بل على رضاه وأمره به أيضاً - كما حكى عنهم في آية أخرى بقوله:وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 28].

وقيل أرادوا أن مشيئته ملزمة ومجبرة فهم غير مختارين في ذلك. ولما وقع هذا القول منهم بالفعل حكاه تعالى عنهم بقوله في سورة النحل:وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } [النحل: 35] وفي معناه قوله تعالى في سورة الزخرف:وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الزخرف: 20].

وقد رد تعالى شبهتهم هنا بقوله: { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } إلخ أي مثل هذا التكذيب من مشركي مكة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إبطال الشرك وإثبات توحيد الله في الألوهية والربوبية.

ومنها حق التشريع والتحليل والتحريم قد كذب الذين من قبلهم لرسلهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7