الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

بعد محاجة مشركي مكة وسائر العرب فيما تقدم من أصول الدين وآخرها البعث والجزاء ذكر بعض عباداتهم الشركية في الحرث وقتل الأولاد والتحليل والتحريم بباعث الأهواء النفسية، والخرافات والوثنية.

فقال: { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً } أي وكان من أمرهم في ضلالتهم العلمية أن جعلوا لله نصيباً مما ذرأ وخلق لهم من ثمر الزرع وغلته كالتمر والحبوب ونتاج الأنعام ونصيباً لمن أشركوا معه من الأوثان والأصنام وقد حذف ذكر هذا النصيب إيجازاً لدلالة ما بعده عليه وهو قوله تعالى: { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا }.

أي فقالوا في الأول هذا لله أي نتقرب به إليه وفي الثاني هذا لشركائنا أي معبوداتهم يتقربون به إليها، وقوله في الأول بزعمهم معناه بتقولهم ووضعهم الذي لا علم لهم به ولا هدى من الله لأن جعله قربة لله يجب ألا يشرك معه غيره في مثله وأن يكون بإذن منه تعالى لأنه دين وإنما الدين لله ومن الله وحده؟ وأما كونه لله خلقاً وملكاً فغير مراد في هذه القسمة فإن له تعالى كل شيء لأنه خالق كل شيء لا شريك له في الخلق وهذا لا خلاف فيه بينهم وبين المؤمنين وإنما الخلاف في التقرب إلى غيره تعالى بمثل ما يتقرب به إليه من دعاء وصدقة وذبائح نسك وأن يطاع غيره طاعة خضوع في التحليل والتحريم لذاته بغير إذن منه تعالى وغير ذلك، فهذا شرك جلي، ومنه هذه القسمة بين الله تعالى وبين ما أشركوا معه.

روي أنهم كانوا يجعلون نصيب الله تعالى لقرى الضيفان وإكرام الصبيان والتصدق على المساكين ونصيب آلهتهم لسدنتها وقرابينها وما ينفق على معاهدها، فإن قيل لم قرن الأول بالزعم الذي يعبر به عن قول الكذب والباطل على ما فيه من البر والخير دون الثاني الذي هو شر محض وباطل بحت وبه كان الأول شركاً في القسمة ودون جعله لكل منهما؟

نقول إن الأول وحده هو الذي يمكن أن يستحسنه المؤمن أو العاقل وإن لم يكن مؤمناً فاحتيج إلى قرنه بكونه زعماً مخترعاً لهم لا ديناً مشترعاً لله تعالى فكان بهذا باطلاً في نفسه فوق كونه مقروناً بالشرك إذ جعلوا مثله لما اتخذوا لله من الأنداد مع أحكام أخرى لهم فيه فصلها بقوله: { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ } أي فما كان منه للتقرب إلى شركائهم التي جعلوها لله فلا يصل إلى الوجوه: التي جعلوها لله لا بالتصدق ولا بالضيافة ولا غيرهما بل يُعنَون بحفظه لها بإنفاقه على سدنتها وذبح النسائك عندها ونحو ذلك { وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ } أي وما جعلوه لله فهو يحول أحياناً إلى التقرب به إليها فيما ذكر آنفاً وفي غيره مما سيأتي { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي قبح حكمهم هذا أو ما يحكمون به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9