الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

بين تعالى في الآيات السابقة أصول الدين وما يدل عليها، وشبهات الكفار على الرسالة مع ما يدحضها، وهدَى رسوله إلى سنته في الرسل وأقوامهم لتسليته وتثبيت قلبه، المعين له على المضيّ في تبليغ دعوة ربه، ثم قفَّى سبحانه على ذلك بتلقينه في هذه الآيات أسلوباً آخر من إقامة الحجج على قومه، وهو أسلوب السؤال والجواب، في موضع فصل الخطاب، وإن كان تكراراً لمعنى سبق أو إشتمل على التكرار، وحكمة ذلك أن التنويع في الإحتجاج والتفنن في أساليبه من ضروريات الدعوة إلى الدين - وإلى غير الدين من المقاصد البشرية أيضاً - لأن إلتزام دليل واحد على المطلوب الذي لا بد من تكرار ذكره أو إيراد عدة أدلة بأسلوب واحد قد يقضي إلى سآمة الداعي من التكرار على رغبته في الدعوة وتفانيه في نشرها وإثباتها، فكيف يكون تأثيره في المدعوين الكارهين له ولها، إذا لم يعقلوا الدليل الأول أو لم تتوجه قلوبهم إلى تدبر الأسلوب الواحد المشتمل على عدة أدلة؟ لا جرم أنهم يكونون في منتهى السآمة والضجر من سماع ذلك، وفي غاية النفور منه، كيف وقد كان المعاندون منهم ينهون عن هذا القرآن وينأون عنه على ما إمتاز به في مقام التفنن والتنويع، والبلاغة المعجزة في كثرة الأساليب. قال عز وجل:

{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي قل أيها الرسول لقومك الجاحدين لرسالتك المعرضين عما جئتهم به من أمر التوحيد والبعث والجزاء: لمن هذه المخلوقات في العالم كله علويه وسفليه؟ السؤال تمهيد لحجة جديدة، وقد بينا في تفسير الآيات السابقة إن العرب كانت تؤمن بأن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض وإن كل ما فيهما ومن فيهما ملك وعبيد له. ولفظ " ما " يشمل العقلاء مع غيرهم، وجزم في الكشاف بأن السؤال للتبكيت وأن قوله تعالى: { قُل للَّهِ } تقرير لهم، أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم في ذلك، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره.

وقال غيره: تقرير للجواب نيابة عنهم أو إلجاءً لهم إلى الإقرار. وقال الرازي أمره بالسؤال أولا ثم بالجواب ثانياً، وهذا إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب فيه قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع. ثم بين إن هذا من هذا، وإحتج على أن كل ذلك لله بما في العالم المادي من آثار الحدوث والإمكان على طريقة المتكلمين في الإستدلال.

ونقول: إن إتيان السائل بالجواب يحسن في غير الموضع الذي حصر الرازي الحسن فيه، وهو أن يكون ما يأتي به عين ما يعتقده المسؤل وما يجيب به إن أجاب، وإنما يسبقه إليه ليبني عليه شيئاً آخر من لوازمه هو مما يجهله المسؤل أو يغفل عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه لازماً لما يعرفه ويعتقده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد