الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

اشتمل سياق الآيات السابقة لهذه الآيات على وعيد بما أعد الله من العذاب للمجرمين ووعد بالنعيم في دار السلام للمؤمنين في إثر بيان أحوالهم وأعمالهم التي استحق بها كل منهما جزاءه.

وقفى عليه في هذه الآيات بذكر ما يكون قبل ذلك الجزاء من الحشر وبعض ما يكون في يومه من الحساب وإقامة الحجة على الكفار، وسنة الله في إهلاك الأمم، وجعل درجات الجزاء بالعمل، قال: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } قرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب { يِحْشُرُهُمْ } بالياء والباقون " نحشرهم " بنون العظمة. والمعشر الجماعة الذين يعاشر بعضهم بعضاً وقال في لسان العرب: ومعشر الرجل أهله، والمعشر الجماعة متخالطين كانوا أو غير ذلك. قال ذو الأصبع العدواني:
وأنتم معشر زيد على مائة   فأجمعوا أمركم طراً فكيدوني
والمعشر والنفر والقوم والرهط معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون النساء. قال والعشيرة أيضاً للرجال، والعالم أيضاً للرجال دون النساء. وقال الليث: المعشر كل جماعة أمرهم واحد نحو معشر المسلمين ومعشر المشركين، والمعشر جماعات الناس اهـ. ثم ذكر إن المعشر يطلق على الإنس والجن واستشهد بالآيةيٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } [الرحمن: 33] وإنما سمي كل من الجن والإنس معشراً لأنهم جماعة من عقلاء الخلق.

وليس المعنى أن لفظ المعشر مرادف للفظ الإنس وللفظ الجن وإنما يضاف إليه إضافة بيانية. والظاهر إنه مشتق من المعاشرة. ونقل الآلوسي عن الطبرسي أن المعشر " الجماعة التامة من القوم التي تشتمل على أصناف الطوائف ومنه العشرة لأنه تمام العقد " اهـ. وهو قول لا دليل عليه ولا نقل يثبته فيما نعلم.

تكرر في التنزيل مثل هذا التعبير في التذكير بيوم القيامة والإعلام بما يكون فيه من الأهوال والحساب والجزاء كقوله تعالى في سورة يونس:وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } [يونس: 28] وقوله في سورة الفرقان:وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الفرقان: 17] الآية. وقوله فيها:وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } [الفرقان: 25] الآيات. وقوله في سورة القصص:وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } [القصص: 62].

وجمهور المفسرين يجعلون كلمة " يوم " في أمثال هذه الآيات مفعولاً لفعل محذوف تقديره " واذكر " وهو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي واذكر لهم فيما تتلوه عليهم يوم يكون كذا وكذا، لأن هذا معهود ومعروف عندهم ويدل عليهوَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ } [مريم: 41] وأمثاله بعده.

وبعضهم يجعله ظرفاً لفعل مقدر إن لم يوجد بعده ما يصلح أن يكون عاملاً فيه مذكوراً أو مقدراً ومنه فعل القول المقدر هنا قبل النداء. فيقال هنا: ويوم يحشرهم جميعاً يقول لمعشر الجن منهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد