الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

وجه اتصال هاتين الآيتين بما قبلهما أنه جاء في الآيات التي قبلهما أن أكثر أهل الأرض ضالون متبعون للظن والخرص، وأن كثيراً منهم يضلون غيرهم بأهوائهم بغير علم، وأن الشياطين المتمردين العاتين من أمر ربهم يوحون إلى أوليائهم ما يجادلون به المؤمنين ليضلوهم ويحملوهم على اقتراف الآثام التي نهت تلك الآيات عن ظاهرها وباطنها، بل ليحملوهم على الشرك أيضاً بالذبح لغير الله تعالى والتوسل به إليه وذلك عبادة له معه، فلما بين الله تعالى ما ذكر ضرب له مثلاً يتبين به الفرق بين المؤمنين المهتدين، للافتداء بهم، والكافرين الضالين، للتنفير من طاعتهم، والحذر من غوايتهم، وبين أن سببه ما زين للكافرين من أعمالهم فلم يميزوا بين النور والظلمات، وسنة الله في مكر أكابر المجرمين السيئات فقال:

{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } قرأ جمهور القراء ميتاً بسكون الياء ونافع ويعقوب بتشديدها والتشديد أصل التخفيف الذي حذفت فيه الياء الثانية المنقلبة عن الواو في التشديد والاستفهام للإنكار، وهمزة الاستفهام داخلة على جملة محذوفة للعلم بها من السياق (وهو من لطائف الإيجاز) عطف عليها قوله: { مَن كَانَ مَيْتاً } والتقدير أأنتم أيها المؤمنون كأولئك الشياطين أو كأوليائهم الذين يجادلونكم بما أوحوه إليهم من زخرف القول الذي غروهم به، ومن كان ميتاً بالكفر والجهل فأحييناه بالإيمان وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس وهو نور القرآن وما فيه من العلم الإلهي والهداية بالآيات إلى العلم النظري كمن مثله أي صفته ونعته الذي يمثل حاله هو أنه خابط في ظلمات الجهل والتقليد الأعمى وفساد الفطرة ليس بخارج منها لأنها قد أحاطت به وألفتها نفسه فلم يعد يشعر بالحاجة إلى الخروج منها إلى النور بل ربما يشعر بالتألم منه فهو بإزاء النور المعنوي كالخفاش بإزاء النور الحسي.

هذا التقدير للجملة الاستفهامية المحذوفة هو الذي ارتضاه بعض المدققين في العربية، ويمكن أن يقدر ما هو أقرب منه إلى المعنى الذي يصل الآية بما قبلها مباشرة وهو قوله تعالى:وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121] بأن يقال إن تقدير الكلام: إطاعة هؤلاء المتبعين لوحي الشياطين، كطاعة وحي الله تعالى وهو النور المبين.

ومن كان ميتاً بالكفر والشرك فأحييناه بالإيمان، وكان متسكعاً في ظلمات الجهل والغباوة وتقليد أهل الضلال فجعلنا له نوراً من آيات القرآن المؤيدة بالحجة والبرهان، يمشي به في الناس على بصيرة من أمره في دينه وآدابه ومعاملاته للناس، كمن مثله المبين لحقيقة حاله كمثل السائر في ظلمات بعضها فوق بعض - ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر؟ وفسر بعضهم النور بالدين والإسلام والمصداق واحد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6