الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

بين الله سبحانه في الآيتين اللتين قبل هذه الآيات أن مقترحي الآيات الكونية على الرسول صلى الله عليه وسلم أقسموا بالله مجتهدين في أيمانهم مؤكدينها قائلين: لئن جاءتنا آية لنؤمنن بها وبما تدل عليه من صدق الرسول في دعوى الرسالة وما جاء به عن الله تعالى. وأن المؤمنين كانوا يودون إجابة اقتراحهم، ويظنون أنها تفضي إلى إيمانهم، فبين الله تعالى لهم خطأ ظنهم بقوله:يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 109-110] نفى عنهم الشعور بسنته تعالى فيهم وفي أمثالهم من المعاندين وما يكون من شأنهم إذا رأوا آية تدل على خلاف ما يعتقدون وما يهوون وهي أنهم ينظرون إليها ويتفكرون فيها بقصد الجحود والإنكار فيحملونها على خداع السحر وأباطيله ويزعمون أنها لا تدل على المطلوب. وبعد بيان سنته تعالى فيهم عند مجيء الآية المقترحة صرح بما هو أبلغ من ذلك فقال:

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } فرأوها المرة بعد المرة بأعينهم وسمعوا شهادتها لك بالرسالة بآذانهم { وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } منهم بإحيائنا إياهم آية لك وحجة على صدق ما جئت به عن الله تعالى من إن الموت ليس عدماً محضاً للإنسان { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } أي وجمعنا كل شيء من الآيات والدلائل غير الملائكة والموتى فسقناه وأرسلناه عليهم مقابلاً لهم أو كافلاً لصحة دعواك أو قبيلاً قبيلا { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } أي ما كان من شأنهم ولا مقتضى استعدادهم أن يؤمنوا.

ونفي الشيء أبلغ من نفي الفعل، ذلك بأنهم لا ينظرون في شيء من الآيات نظر استدلال وإنما ينظرون إليها نظر من جاءه ولي يريد نصره وإغاثته وإخراجه من ضيق نزل به فظن أنه عدو يهاجمه ليوقع به ويسلبه ما بيده فينبري لقتاله، فإذا قال له إنما أنا ولي نصير، لا عدو مغير، ظن أنه يخدعه بقوله، وأنه إذا لم يسبق إلى قتله قتله، لا يعقل غير هذا.

وقوله تعالى: { قُبُلاً } قرأه عاصم وحمزة والكسائي بضم القاف والباء هنا وفي سورة الكهف، وقرأه نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء فيهما، وابن كثير وأبو عمرو كالأولين هنا وكالآخرين في الكهف. قيل إن معنى القراءتين واحد وهو المقابلة والمواجهة بالشيء ونقله الواحدي عن أبي زيد والتقدير: وحشرنا عليهم كل شيء من أنواع الدلائل مواجهة ومعاينة، وقيل إن الأولى جمع قبيل فهو كقضب ورغف (بضمتين فيهما) جمع قضيب ورغيف، والتقدير: وحشرنا عليهم كل شيء من ذلك قبيلاً قبيلاً وصنفاً صنفاً، أي كل صنف منه على حدة.

ومن استعمال مفرده في مثل هذا المقام قوله تعالى في حكاية اقتراحهم الآيات من سورة الإسراء:

السابقالتالي
2 3 4 5 6