الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

أمر الله تعالى رسوله فيما قبل هذه الآيات بتبليغ وحيه بالقول والفعل، وبالإعراض عن المشركين بمقابلة جحودهم وطعنهم في الوحي بالصبر والحلم، وعلل ذلك بأن من مقتضى سنته في خلق البشر متفاوتي الإستعداد، مختلفي الفهم والإجتهاد، أن لا يتفقوا على دين، ومن مقتضى هدايته في بعثة الرسل أن يكونوا مبلغين لا مسيطرين، وهادين لا جبارين، فعليهم أن لا يضيقوا ذرعاً بحرية الناس في اعتقادهم فإن خالقهم هو الذي منحهم هذه الحرية ولم يجبرهم على الإيمان إجباراً وهو قادر على ذلك، ثم عطف على هذا الإرشاد النهي عن سب آلهتهم، وطلب بعضهم للآيات وحقيقة حالهم فيها فقال:

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي ولا تسبوا أيها المؤمنون معبوداتهم التي يدعونها من دون الله لجلب النفع لهم أو دفع الضر عنهم، بوساطتها وشفاعتها عند الله لهم، فيترتب على ذلك سبهم لله سبحانه وتعالى عدواً أي تجاوزاً منهم في السباب والمشاتمة التي يغيظون بها المؤمنين إلى ذلك بغير علم منهم أن ذلك يكون سباً لله سبحانه لأنهم وهم مؤمنون بالله لا يتعمدون سبّه إبتداء عن روية وعلم، بل يسبّونه بوصف لا يؤمنون به كسبّهم لمن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحقير آلهتهم أو لمن يقول إنها لا تشفع ولا تنفع، أو يقولون قولا يستلزم سبه بحيث يفهم ذلك منهم وإن لم يعلم ذلك قائله - وهذا مما يجب إجتناب سبه حتى على القول بأن لازم المذهب ليس بمذهب - أو يقابلون الساب لمعبودهم بمثل سبّه يريدون محض المجازاة فيتجاوزونها كما يقع كثيراً من المختلفين في الدين والمذهب: يسب نصراني نبي المسلم فيسب المسلم نبيه ويريد عيسى عليهما الصلاة والسلام ويسب شيعي يلاحي سنياً ويماريه أبا بكر فيسب علياً (رضي الله عنهما) والأول يعلم أن سب عيسى كفر كسب محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني يعلم أن سب علي فسق كسب أبي بكر (رضي الله عنهما).

ومثل هذا يقع كثيراً، بل كثير ما يتساب أخوان من أهل دين واحد يسب أحدهما أب الآخر أو معبوده فيقابله بمثل سبه، يغيظه بسب أبيه مضافاً إليه ويعده إهانة له فيسبه مضافاً إلى أخيه إهانة لأخيه. وهذا كله من حب الذات والجهل الحامل على المعاقبة على الجريمة بإرتكابها عينها، يهين والده المعظم عنده ومعبوده الذي هو أعظم منه إحتماء لنفسه وعصبية لها. وقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: " من الكبائر شتم الرجل والديه " قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8