الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذه الآية تتمة السياق السابق، وقد ذكر الله تعالى فيه أن جزاء الصيد يكون هدياً بالغ الكعبة. وأريد بالكعبة هنالك حرمها وجوارها الذي تؤدى فيه المناسك كما تقدم، ثم ذكر الكعبة وأراد به عينها ولذلك بينها بالبيت الحرام، وذكر الهدي أيضاً.

وقال الرازي: أعلم أن إتصال هذه الآية بما قبلها هو أن الله تعالى حرم في الآية المتقدمة الإصطياد على المحرم، فبين (أي هنا) أن الحرم كما إنه سبب لأمن الوحش والطير فكذلك هو سبب لأمن الناس من الآفات والمخافات، وسبب لحصول الخيرات والسعادات في الدنيا والآخرة اهـ.

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ } الجعل هنا إما خلقي تكويني وهو التصيير، وإما أمريّ تكليفي وهو التشريع، وسيأتي توجيه كل منهما. و[الكعبة] في اللغة البيت المكعب أي المربع. وقيل المرتفع من كعب الرمح وهو طرف الأنبوب الناشز، أو كعب الرجل وهو الناتئ عند مفصل الساق، ومنه كعبت الجارية (البنت) وكعب ثديها يكعب إذا نتأ وارتفع فهي كاعب وكعاب، وثدي كاعب. والأول أصح. وقد غلب اسم الكعبة على بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بمكة أم القرى في جزيرة العرب. وقد سبق بيان ذلك في تفسير سورة البقرة (ج1) وتفسير آل عمران (ج4).

قال مجاهد: إنما سميت الكعبة لأنها مربعة. وقال عكرمة: إنما سميت الكعبة لتربيعها. و(القيام) أصله القوام بالواو فقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها كالميزان. والمراد به ما يقوم به أمر الناس ويتحقق أو يستقيم ويصلح. وقرأ ابن عامر " قيماً " بكسر القاف وفتح الياء، وهو بمعنى " قياماً " وقد تقدم مثله في أول سورة النساء.

و { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } ذو الحجة الذي تؤدى فيه مناسك الحج في تلك المعاهد المقدسة. وقيل المراد به جنس الأشهر الحرام التي كانوا يتركون فيها القتال. { وَٱلْهَدْيَ } ما يهدى إلى الحرم من الأنعام للتوسعة على فقرائه.

{ وَٱلْقَلاَئِدَ } هنا ذوات القلائد من الهدي وهي الأنعام التي كانوا يقلدونها إذا ساقوها هدياً، خصها بالذكر لعظم شأنها. وقيل هي على معناها الأصلي وهو ما يقلد به الهدي من النبات، وكذا ما كان يتقلد به مريدو الحج.

والراجعون منه إلى بلادهم ليأمنوا على أنفسهم في عهد الجاهلية. وتقدم تفصيل القول في ذلك أول السورة.

والمعنى على الوجه الأول في الجعل أن الله تعالى جعل الكعبة التي هي البيت الحرام قياماً للناس الذين يقيمون بجوارها والذين يحجونها، أي سبباً لقيام مصالحهم ومنافعهم، بإيداع تعظيمها في القلوب، وجذب الأفئدة إليها، وصرف الناس عن الإعتداء فيها، وعلى مجاوريها وحجاجها، وتسخيرهم لجلب الأرزاق إليها. فهذا هو الجعل الخلقي التكويني.

السابقالتالي
2 3