الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

تقدم في تفسير آية البقرةيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219] أن الله تعالى حرم الخمر بالتدريج وصدرنا الكلام هناك بحديث أبي هريرة عند الإمام أحمد في ذلك، كما رواه السيوطي في أسباب النزول مختصراً.

وروي في سبب نزول آيات المائدة أن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: فيّ نزل تحريم الخمر - صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا فأتاه ناس فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر وذلك قبل تحريم الخمر، فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار خير. وقالت قريش: قريش خير. فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره - فكان سعد مفزور الأنف - قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فنزلت هذه الآية: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } الآية، رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النحاس في ناسخه، وروى الطبراني عنه إنه نادم رجلاً فعارضه فعربد عليه فشجه فنزلت الآيات في ذلك.

وعن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار: شربوا فلما إن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته فيقول: صنع بي هذا أخي فلان - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان رءوفاً رحيماً ما صنع بي هذا. حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } - إلى قوله - { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فقال ناس من المتكلفين: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفي بطن فلان قتل يوم أحد؟ فأنزل الله: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي.

وفي مسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي والترمذي إن عمر كان يدعو الله تعالى: " اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فلما نزلت آية البقرة قرأها عليه النبي صلى الله عليه وسلم فظل على دعائه، وكذلك لما نزلت آية النساء. فلما نزلت آية المائدة دعي فقرئت عليه. فلما بلغ قول الله تعالى: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } قال انتهينا انتهينا ".

والحكمة في تحريم الخمر بالتدريج إن الناس كانوا مفتونين بها حتى أنها لو حرمت في أول الإسلام لكان تحريمها صارفاً لكثير من المدمنين لها عن الإسلام بل عن النظر الصحيح المؤدي إلى الاهتداء به، لأنهم حينئذ ينظرون إليه بعين السخط فيرونه بغير صورته الجميلة، فكان من لطف الله تعالى وبالغ حكمته أن ذكرها في سورة البقرة بما يدل على تحريمها دلالة ظنية فيها مجال للإجتهاد ليتركها من لم تتمكن فتنتها من نفسه، (راجع: ج2)، وذكرها في سورة النساء بما يقتضي تحريمها في الأوقات القريبة من وقت الصلاة، إذ نهى عن قرب الصلاة في حال السكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد