الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قال الرازي في وجه اتصال آية الوضوء بما قبلها: أعلم إنه تعالى افتتح السورة بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } وذلك لأنه حصل بين الرب وبين العبد عهد الربوبية وعهد العبودية، فقوله: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } طلب من عباده إن يفوا بعهد العبودية، فكأنه قيل: إلهنا، العهد نوعان: عهد الربوبية منك وعهد العبودية منا، فأنت أولى بأن تقدم الوفاء بعهد الربوبية والكرم، ومعلوم إن منافع الدنيا محصورة في نوعين لذات المطعم ولذات المنكح فاستقصى سبحانه في بيان ما يحل ويحرم من المطاعم والمناكح، ولما كانت الحاجة إلى المطعوم فوق الحاجة إلى المنكوح لا جرم قدم بيان المطعوم على المنكوح، وعند تمام البيان كأنه يقول قد وفيت بعهد الربوبية فيما يطلب في الدنيا من المنافع واللذات، فاشتغل أنت في الدنيا بالوفاء بعهد العبودية. ولما كان أعظم الطاعات بعد الإيمان الصلاة، وكانت الصلاة لا يمكن إقامتها إلاّ بالطهارة، لا جرم بدأ الله تعالى بذكر شرائط الوضوء (لعل الأصل فرائض الوضوء).

أقول: لو جعل هذا الوجه في الاتصال لهذه الآية وما بعدها معا - وقد جمعناهما - لكان أظهر، فإنه في الثانية يذكرنا بعهده وميثاقه. والذي أراه أن وجه المناسبة بين آية الوضوء وما قبلها هو أن الحدثين اللذين هما سبب الطهارتين هما أثر الطعام والنكاح، فلولا الطعام لما كان الغائط الموجب للوضوء، ولولا النكاح لما كانت ملامسة النساء الموجبة للغسل، وأما المناسبة بين آية الميثاق وما قبلها، فهي إنّ الله تعالى بعد إن بيّن لنا طائفة من الأحكام المتعلقة بالعبادات والعادات، ذكّرنا بعهده وميثاقه علينا وما التزمناه من السمع والطاعة لله ولرسوله بقبول دينه الحق؛ لنقوم بها مخلصين.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } قال المفسرون: إن المراد بالقيام هنا إرادته، أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة، على حدّ قوله تعالى:فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } [النحل: 98] أي إذا أردت قراءته. على أن الغالب أن مريد الصلاة يقوم إليها من قعود أو نوم، وقد يطلق لفظ القيام إلى الشيء على الانصراف إليه عن غيره، ومن فسّر القيام بإرادته، حاول إن يدخل في عموم منطوقه صلاة من يصلي قاعدا أو نائما لعذر.

وظاهر العبارة: إنّ المراد بالقيام إلى الصلاة، عمومه في جميع الأحوال، وإن هذه الطهارة تجب لكل صلاة وعليه داود الظاهري، ولكن جمهور المسلمين على إن الطهارة لا تجب على من قام إلى الصلاة، إلاّ إذا كان محدثاً، فهم يقيّدون القيام الذي خوطب أهله بالطهارة بالتلبس بالحدث، فالمعنى عندهم إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا وجوهكم إلخ. والعمدة في مثل هذا التقييد السنة العملية في الصدر الأول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد