الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } * { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

هذه الآيات من تتمة السياق السابق. فلمّا كان من يتولى الكافرين من دون المؤمنين يعدّ منهم. كان أولئك الذين يسارعون فيهم من مرضى القلوب، مرتدّين بتوليهم إياهم، فإن أخفوا ذلك فإظهارهم للإيمان نفاق. ولما بيّن الله حالهم، أراد إن يبيّن حقيقة يدعمها بخبر من الغيب يظهره الزمن المستقبل، وهي إن المنافقين ومرضى القلوب لا غناء فيهم، ولا يعتدّ بهم في نصر الدين وإقامة الحق، وإنما يقيم الله الدين ويؤيّده بالمؤمنين الصادقين، الذين يحبّهم الله فيزيدهم رسوخا في الحقّ وقوّة على إقامته، ويحبّونه فيؤثرون ما يحبه من إقامة الحق والعدل، وإتمام حكمته في الأرض، على سائر محبوباتهم من مال ومتاع وأهل وولد. هذه هي الحقيقة. وأما خبر الغيب فهو إنه سيرتد بعض الذين آمنوا عن الإسلام جهرا فلا يضره ذلك؛ لأن الله تعالى يسخّر له من ينصره ويجاهد لحفظه. فقال:

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } قرأ ابن عامر ونافع (يرتَدِد) بدالين، والباقون يرتدّ بدال واحدة مشددة وهما لغتان. فلغة إظهار الدالين هي الأصل، ولغة الإدغام تشديد يراد به التخفيف. والمعنى من يرتد منكم - يا جماعة الذين دخلوا في أهل الإيمان - عن دينه لعدم رسوخه. فسوف يأتي الله مكانهم أو بدلا منهم بقوم راسخين في الإيمان يحبهم ويحبونه إلخ ما ذكره من صفات المؤمنين الصادقين.

أخرج رواة التفسير المأثور عن قتادة - واللفظ لابن جرير - إنه قال: أنزل الله هذه الآية وقد علم إنه سيرتد مرتدون من الناس. فلمّا قبض الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ارتدّ عامة العرب عن الإسلام، إلاّ ثلاثة مساجد - أهل المدينة وأهل مكة وأهل البحرين من عبد القيس - قالوا (أي المرتدون) نصلي ولا نزكي، والله لا تغصب أموالنا. فكّلم أبو بكر في ذلك فقيل له: إنهم لو قد فقهوا لهذا أعطوها وزادوها. فقال: لا والله، لا أفرق بين شيء جمع الله بينه. ولو منعوا عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه.

فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتّى سبى وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة. فقاتلهم حتى أقروّا بالماعون - وهي الزكاة - صغرةً أقمياء فأتته وفود العرب فخيّرهم بين حطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الحطة المخزية، وكانت أهون عليهم إن يستعدوا أن قتلاهم في النار. وإن قتلى المؤمنين في الجنة. وإن ما أصابوا من المسلمين من مال ردوه عليهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7