الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

من المعلوم في السيرة النبوية الشريفة إن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود حين قدم المدينة، وأقرّهم على دينهم وأموالهم. وأثبت ذلك في الكتاب الذي كتبه في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وحقوق القبائل والبطون.

ومما جاء في ذلك الكتاب: " وإنه من تبعنا من اليهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم " ومنه في حقوق الحلف والولاء في الحرب: " وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين. لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم، وأنفسهم. إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ (أي يهلك) إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف " ثم أعطى مثل ما لبني عوف ليهود بني الحارث وساعدة وجثم والأوس وثعلبة - ومنهم جفنة - والشطنة.

قال ابن القيم في الهدي النبوي: " ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفّار معه ثلاثة أقسام: قسم صالحهم ووادعهم على إن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم. وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة. وقسم تاركوه فلم يصالحوهُ ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه.

ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنهم من دخل معه في الظاهر، وهو مع عدوه في الباطن ليأمن الفريقين. وهؤلاء هم المنافقون. فعامل كلّ طائفة من هذه الطوائف بما أمره به ربه تبارك وتعالى. فصالح يهود المدينة وكتب بينهم وبينه كتاب أمن. وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة: بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة. فحاربته بنو قينقاع بعد ذلك بعد بدر، وأظهروا البغي والحسد ".

ثم قال في فصل آخر: " ثم نقض العهد بنو النضير. قال البخاري: وكان ذلك بعد بدر بستة أشهر " وبيّن كيف تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى من هذه السورةيَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [المائدة: 11] إذ ورد إن الآية نزلت في ذلك. ثم بيّن في فصل آخر إن قريظة كانت أشد عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنهم نقضوا صلحه لما خرج إلى غزوة الخندق، وبيّن كيف حارب كل طائفة وأظهره الله عليها. فهذا هو السبب العام في النهي عن موالاة أهل الكتاب في هذه الآيات. وكان نصارى العرب - وكذا الروم بالطبع - حربا له كاليهود.

وأما السبب الخاص الذي ذكروه في سبب النزول، فهاك ملخّصه: أخرج رواة التفسير المأثور والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد إن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أُبّي بن سلول (زعيم المنافقين) وقام دونهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9