الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

قال تعالى في الآية الأولى من هذه السورةأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 1] ثم بيّن هذا الاستثناء بقوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } الآية. وهذه المحرّمات الثلاثة قد ذكرت بصيغة الحصر في سورة الأنعام بقوله تعالى:قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145] وفي سورة النحل بقوله عز وجل:إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [النحل: 115] وختم كلاً من هاتين الآيتين بقوله: { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقد نزلت آية المائدة التي نحن بصدد تفسيرها بعد هاتين الآيتين، وليست ناسخة للحصر فيهما بزيادة المحرمات في قوله: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } بل هذا شرح وتفصيل للميتة وما أهل به لغير الله كما سنبّينه.

فمحرمات الطعام أربعة بالإجمال، وعشرة بالتفصيل، وهاك بيانها وحكمة تحريمها:

الأول: { ٱلْمَيْتَةُ }: يراد بالميت عند الإطلاق، ما مات حتف أنفه، أي بدون فعل فاعل، والتأنيث هنا وفي قوله والمنخنقة إلخ؛ لأنه وصف للشاة كما قالوا، وهي تطلق على الذكر والأنثى من الغنم، وإن كانت موضوعة في الأصل للأنثى، والمراد: الشاة وغيرها من الحيوان المأكول. ولك أن تقدر البهيمة بدل الشاة، ولفظها أعم، وهو الذي ورد في قوله: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } فلما كانت هذه الآية مبيّنة لما استثني من حل بهيمة الأنعام، صار المناسب إن نقول إن الميتة هنا صفة للبهيمة، أي حرّمت عليكم البهيمة الميتة. والمراد من الميتة في عرف الشرع ما مات ولم يذكّه الإنسان لأجل أكله تذكّية جائزة، فيدخل في عمومه جميع ما يأتي مع اعتبار قاعدة: إذا قوبل العام بالخاص يراد بالعام ما وراء الخاص.

وحكمة تحريم ما مات حتف أنفه، إنه يكون في الغالب ضاراً؛ لأنه لا بد أن يكون قد مات بمرض أو ضعف أو نسمة خفية مما يسمّى الآن بالميكروب، انحلّت به قواه أو ولّد فيه سموما، وقد يعيش ميكروب المرض في جثة الميت زمنا، ولأنه مما تعافه الطباع السليمة وتستقذره وتعدّه خبثا، والمشهور عند علمائنا إن سبب ضرر الميتة احتباس الرطوبات فيها، وفيه بحث سيأتي في الكلام على التذكية.

الثاني: { وَٱلْدَّمُ }: والمراد به المسفوح، أي المائع الذي يسفح ويراق من الحيوان وإن جمد بعد ذلك، بخلاف المتجمّد في الطبيعة كالطحال والكبد، وما يتخلل اللحم عادة، فإنه لا يعدّ مسفوحا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد