الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

ذكر الرازي إن وجه الاتصال والتناسب بين هذه الآيات وما قبلها يرجع إلى سياق الكلام على أهل الكتاب؛ لأن ما بعده جاء على سبيل الاستطراد، وقد جاء في ذلك السياق: إن اليهود قد همّوا ببسط أيديهم إلى الرسول وبعض المؤمنين بالسوء وقصد الاغتيال، لما كانوا عليه من العتوّ على الأنبياء وشدة الإيذاء لهم، وإنهم كانوا هم والنصارى مغرورين بدينهم، يزعمون إنهم أبناء الله وأحباؤه، فأرشد الله المؤمنين وأمرهم بأن يتقوه ويبتغوا إليه وحده الوسيلة بالعمل الصالح، ولا يكونوا كأهل الكتاب في افتتانهم وغرورهم. هذا معنى ما قاله.

والوجه في التناسب عندي إن يبنى على أسلوب القرآن، الذي امتاز به على سائر الكلام، من حيث كونه مثاني للهداية، والموعظة والعبرة، لا تبلى جدّته، ولا تملّ قراءته، والركن الأول لهذا الأسلوب إن يكون الكلام في كل موضوع مختصرا مفيدا تتخلله أسماء الله وصفاته والتذكير بوحدانيته، ووجوب تقواه والإخلاص له والتوجه إليه وحده، وبالدار الآخرة والجزاء فيها على الأعمال.

فبناء على هذا الأسلوب قفّى الله تعالى على قصة ابني آدم وما ناسبها - من بيان حدود الذين يبغون على الناس ويفسدون في الأرض - بالأمر بالتقوى - ومنها اتقاء الحسد والبغي والفساد الذي هو سبب الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة - وبابتغاء الوسيلة إليه تعالى والجهاد في سبيله - رجاء الفلاح والفوز بالسعادة - ووعيد الكفار الذين لا يتقون الله ولا يتوسلون إليه بما يرضيه، فقال:

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } اتقاء الله، هو اتقاء سخطه وعقابه. وسخطه وعقابه أثر لازم لمخالفة سننه في الأنفس والآفاق، ومخالفة دينه وشرعه الذي يعرج بالأرواح إلى سماء الكمال. والوسيلة إليه، هي ما يتوسل به إليه، أي ما يرجى إن يتوصل به إلى مرضاته والقرّب منه، واستحقاق المثوبة في دار كرامته ولا يعرف ذلك على الوجه الصحيح إلاّ بتعريفه تعالى: وقد تفضّل علينا بهذا التعريف بوحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال الراغب: الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة، بتضّمنها معنى الرغبة... وحقيقة الوسيلة إلى الله: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة. اهـ.

وروي تفسير الوسيلة بالقربة عن حذيفة وصححه الحاكم عنه. ورواه ابن جرير عن عطاء ومجاهد والحسن وعبد الله بن كثير. وروى هو وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية إنه قال: تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وروي عن ابن زيد تفسيرها بالمحبّة قال: أي تحببوا إلى الله، وقرأأُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } [الإسراء: 57] وعن السدي إنها المسألة والقربة. وروى ابن الأنباري إن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الوسيلة فقال: الحاجة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9