الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اختلف نقلة التفسير المأثور فيمن نزل فيهم هاتان الآيتان، على ما هو ظاهر من إتصالهما بما قبلهما أتم الاتصال.

روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أنس: إنّ ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، فاستوخموا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم إن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها. فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحّرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في أثارهم، فأمر بهم فسّمروا أعينهم وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرّة حتى ماتوا على حالهم. زاد البخاري إن قتادة الراوي للحديث عن أنس قال: بلغنا إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة.

وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود قال قتادة فحدثني ابن سيرين أن ذلك كان قبل إن تنزل الحدود (أي في الآية التي نحن بصدد تفسيرها) وروى أبو داود والنسائي عن أبي الزناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أيدي الذين سرقوا لقاحهُ وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله في ذلك فأنزل { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ } الآية. وفي القصّة روايات أخرى مفصلة. ومنها إنه أباح لهم إبل الصدقة كلّها في غدوها ورواحها.

وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس في الآية قال: نزلت في المشركين منهم، من تاب قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحدّ إن قتل أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفّار قبل أن يقدروا عليه، لم يمنعه ذلك إن يقام فيه الحّد الذي أصابه. (ومثله عند ابن جرير عن الحسن).

وروى ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس أيضاً إنه قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض فخيّر الله نبيه فيهم، إن شاء إن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وفي بعض الروايات زيادة إلاّ من أسلم قبل أن يؤخذ. وروى ابن جرير أيضاً ما تقدّم من كون الآية نزلت عتاباً للنبي صلى الله عليه وسلم على سمل أعين العرنيين وقطع أيديهم وتركها بدون حسم، فكانت الآية تحريماً للمثلة عند هؤلاء. على إنه ثبت إنه كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة قبل نزول المائدة. وروي عن آخرين إنه صلى الله عليه وسلم كان أمر بسمل أعينهم وقطعهم كما فعلوا بالراعي المسلم - وفي بعض الروايات الرعاة بالجمع - فنزلت الآية فترك ذلك ولم يفعله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد