الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

أقام الله تعالى الحجج القيّمة على بني إسرائيل، وأثبت لهم رسالة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، حتى فيما أوحاه إليه بشأنهم وشأن كتبهم وأنبيائهم من البشارات وأخبار الغيب وتحريف الكتب ونسيان حظ منها، ونحو ذلك من الآيات الدالة على صدقه وكون ما جاء به من عند الله تعالى هو من جنس ما جاء به أنبياؤهم، إلاّ إنه أكمل منه على سنة الترقّي في البشر، وأيّد ذلك بدحض شبهاتهم وإبطال دعاويهم وبيان مناشىء غرورهم.

ثم لما لم يزدهم ذلك كلّه إلاّ كفراً وعنادا، بيّن الله تعالى في هذه الآيات واقعة من وقائعهم مع موسى عليه الصلاة والسلام الذي أخرجهم الله على يديه من الرقّ والعبودية واضطهاد المصريين لهم، إلى الحرية والاستقلال وملك أمرهم، وكونهم على هذا كلّه كانوا يخالفونه ويعاندونه، حتّى فيما يدعوهم إليه من العمل الذي تتم به النعمة عليهم في دنياهم التي هي أكبر همهم، ليعلم الرسول بهذا إن مكابرة الحق ومعاندة الرسل خلق من أخلاقهم الموروثة عن سلفهم، فيكون ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم ومزيد عرفان بطبائع الأمم وسنن الإجتماع البشري. وبهذا يظهر حسن نظم الكلام ووجه اتصال لاحقه بسابقه. قال عز وجل:

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } أي واذكر أيها الرسول لبني إسرائيل وسائر الناس الذين تبلّغهم دعوة القرآن: إذا قال موسى لقومه بعد أن أنقذهم من ظلم فرعون وقومه وأخرجهم من أرض العبودية: اذكروا نعمة الله عليكم بالشكر له والطاعة؛ لأن ذلك يوجب المزيد، وتركه يوجب المؤاخذة والعذاب الشديد.

ولفظ نعمة يفيد العموم بإضافته إلى اسم الله تعالى، وقد بيّن لهم موسى مراده بهذا العموم بذكر ثلاثة أشياء كانت حاصلة بالفعل، بعد نعمة إنقاذهم من المصريين التي هي بمعنى النفي والسلب، وهذه الأشياء الحاصلة المشهودة هي أعظم أركان النعم ومجامعها التي يندرج فيها ما لا يحصى من الجزئيات الدينية والدنيوية، وهاك بيانها:

الأول: - وهو أشرفها - جعل كثير من الأنبياء فيهم. وهذا يصدق بوجود المبلغ لذلك، ووجود أخيه هارون ومن كان قبلهما عليهم السلام، وتشعر العبارة - مع ذلك - بأن النعمة أوسع، وإن عدد هؤلاء الأنبياء كثير أو سيكون كثيراً، بناء على إن المراد بالجعل بيان الشأن، لا مجرد الحصول بالفعل في الزمنين الماضي والحال، وقيل: كان عدد الأنبياء فيهم كثيراً في عهد موسى، حتّى حكى ابن جرير إن السبعين الذي اختارهم موسى ليصعدوا معه الجبل إذ يصعده لمناجاة الله تعالى صاروا كلّهم أنبياء.

والمشهور من معنى النبوّة عند أهل الكتاب، الأخبار ببعض الأمور الغيبية التي تقع في المستقبل بوحي أو إلهام من الله عز وجل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد