الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

إن وجه الإتصال والمناسبة بين هذه الآيات وما قبلها، يعلم مما تقدم من أخذ الله الميثاق على هذه الأمة، وهذا من المقاصد التي لا تختلف باختلاف الأزمنة، فكان عاما في جميع الأمم التي بعث الله فيها الرسل، كما قلناه في تفسير تلك الآية. فلما ذكّرنا الله تعالى بميثاقه الذي واثقنا به على السمع والطاعة لخاتم رسله، ذكر لنا أخذه مثل هذا الميثاق على أقرب الأمم إلينا وطناً وتاريخاً وهم اليهود والنصارى، وما كان من نقضهم ميثاقه، ومن عقابه لهم على ذلك في الدنيا، وما ينتظرون من عقاب الآخرة - وهو أشد وأبقى - لنعتبر بحالهم، ونتّقي حذو مثالهم، وليبيّن لنا علة كفرهم بنبينا وتصدّيهم لإيذائه وعداوة أمّته وليقيم بذلك الحجّة عليهم فيما تراه بعد هذه الآيات. فهذا مبدأ سياق طويل في محاجة أهل الكتاب وبيان أنواع كفرهم وضلالهم. قال تعالى:

{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } يقسم عز وجل إنه قد أخذ العهد الموثّق على بني إسرائيل ليعملن بالتوراة التي شرّعها لهم، لإفادة تأكيد هذا الأمر وتحقيقه والإهتمام بما رتب عليه، لأن الرسول قد علّمه بالوحي الإلهي، وإن لم يطلع على توراتهم ولا على شيء من تاريخهم. ولا يزال هذا الميثاق في آخر الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه الصلاة والسلام (راجع تفسيروَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء: 154] من هذا الجزء من التفسير).

{ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } النقيب في القوم، من ينقّب عن أحوالهم ويبحث عن شؤونهم، من نقّب عن الشيء إذا بحث أو فحص عنه فحصاً بليغاً، وأصله الخرق في الجدار ونحوه كالنقب في الخشب وما شابهه. ويقال نقب عليهم (من باب ضرب وعلم) نقابة، أي صار نقيباً عليهم. عدى باللام لما فيه من معنى التولية والرياسة، ونقباء بني إسرائيل، هم زعماء أسباطهم الإثني عشر. والمراد ببعثهم، إرسالهم لمقاتلة الجبارين الذين يجيء خبرهم في هذه السورة، قاله مجاهد والكلبي والسدي. فإن صح هذا أخذ به، وإلاّ فالظاهر إن بعثهم منهم هو جعلهم رؤساء فيهم.

{ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ } أي إني معكم بالمعونة والنصر ما دمتم محافظين على ميثاقي، قال الله هذا لموسى عليه السلام وهو بلّغه عنه، وكان يذكّرهم به أنبياؤهم ويجدده رسلهم، ويتوعدونهم نحو ما توعدهم به موسى عند أخذه عليهم إذا هم نقضوه.

{ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ } أي وأقسم الله لهم على لسان موسى بما مضمونه: لئن أديتم الصلاة على وجهها وأعطيتم ما فرض عليكم في أموالكم من الصدقة التي تتزكى بها نفوسكم وتتطهر من رذيلة البخل.

{ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي برسلي الذي أرسلهم إليكم بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وهذه هي نكتة تأخير الإيمان بالرسل - وهو من أصول العقائد - على الصلاة والزكاة وهما من فروع الأعمال، فإن الخطاب لقوم مؤمنين بالله ورسوله الذي بلغهم ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد