الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

بعد أن بين الله تعالى بطلان التقليد - وهو أن يتبع المرء غيره من الناس في فهمه للدين ورأيه فيه بغير علم ولا حجة - أمر المؤمنين بصيغة الإغراء بأن يهتموا بإصلاح أنفسهم بالعلم الصحيح والعمل الصالح الذي يعد رشداً وهدى، وبين لهم أنهم إذا أصلحوا أنفسهم وقاموا بما أوجب الله عليهم من علم وتعليم وعمل وإرشاد، فلا يضرهم من ضل من الناس عن محجة العلم بالجهل والتقليد، وعن صراط العمل الصالح بالفسق والإفساد في الأرض، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } أي ألزموا إصلاح أنفسكم، وتزكيتها بما شرعه الله لكم، لا يضركم ضلال غيركم إذا اهتديتم، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى.

ومن أصول الهداية الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذاً لا تكونون مهتدين إلا إذا بلغتم دعوة الحق والخير، وعلمتم الجاهلين ما أعطاكم الله من العلم والدين، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلا تكتموا الحق والعلم كما كتمه من كان قبلكم، فلعنهم الله على لسان أنبيائهم ولسان نبيكم { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي إليه وحده رجوعكم ورجوع من ضل عما إهتديتم إليه، فينبئكم عند الحساب بما كنتم تعملون في الدنيا ويجزيكم به.

وقد إختلفت الروايات عن الصحابة والتابعين في هذه الآية.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير يعني ابن معاوية، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قيس، قال " قام أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } - إلى آخر الآية - وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن الله عز وجل أن يعمهم بعقابه " قال وسمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان ".

وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن إسماعيل بن أبي خالد به متصلا مرفوعاً، ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق. وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره، وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولا في مسند الصديق (رضي الله عنه).

وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثنا عمرو بن حارثة اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له ما تصنع في هذه الآية؟ قال أيّة آية؟ قلت قول الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } قال أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

السابقالتالي
2 3 4