الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

وجه إتصال هاتين الآيتين بما قبلهما إنه سبحانه وتعالى نهى في السياق الذي قبلهما عن تحريم ما أحله الله وعن الإعتداء فيه - وإن كان التحريم تركاً لمباح يلتزم بالنذر أو بالحلف بإسم الله تنسكاً وتعبداً، مع اعتقاد إباحته في نفسه، لا شرعاً يدعى إليه ويعتقد وجوبه إفتراء عليه تعالى، - وبين فيه كفارة الإيمان، وحرم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وصيد البر على المحرم بحج أو عمرة، وبعد أن نهى عن تحريم ما أحله، نهى أن يكون المؤمن سبباً لتحريم الله تعالى شيئاً لم يكن حرمه، أو شرع حكم لم يكن شرعه، بأن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء مما سكت الله عنه عفواً وفضلاً، فيكون الجواب عنه إن ورد تكليفاً جديداً، فناسب بعد هذا أن يبين ضلال أهل الجاهلية فيما حرموه على أنفسهم، وما شرعوه لها بغير إذن من ربهم، وما قلد به بعضهم بعضاً على جهلهم، مع بيان بطلان التقليد، وكونه ينافي العلم والدين، - فقال:

{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } هذه أربعة نعوت لأربعة أنواع من محرمات الأنعام التي حرمتها الجاهلية على أنفسها:

فالبحيرة: فعيلة بمعنى مفعولة وهي الناقة التي يبحرون أذنها أي يشقونها شقاً واسعاً، وكانوا يفعلون بها ذلك إذا نتجت خمسة أبطن وكان الخامس أنثى كما روي عن ابن عباس، وقيل: إذا ولدت عشرة أبطن، يفعلونه ليكون علامة على تحريم أكلها أو ركوبها أو الحمل عليها، وهو مأخوذ من مادة (بحر) وهو في الأصل - كما قال الراغب - " كل مكان واسع جامع للماء الكثير " ثم إشتقوا منه عدة كلمات فيها معنى السعة.

والسائبة: الناقة التي تسيب بنذرها لآلهتهم فترعى حيث شاءت، ولا يحمل عليها شيء، ولا يجز صوفها ولا يحلب لبنها إلا لضيف. فهي إسم فاعل من قولهم: ساب الفرسُ ونحوه، أي ذهب على وجهه حيث شاء، وساب الماءُ جرى، فهو سائب، وقال محمد بن إسحاق هي الناقة إذا ولدت عشر إناث ليس بينهن ذكر، وقال مجاهد: هي من الغنم مثل البحيرة من الإبل. وعن أبي روق والسدي: كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته سيب من ماله ناقة أو غيرها لطواغيتهم وأوثانهم.

والوصيلة: الشاة التي تصل أنثى بأنثى في النتاج، وقيل: هي التي وصلت أخاها، قال الراغب: وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكراً أو أنثى قالوا وصلت أخاها، فلا يذبحون أخاها من أجلها. وعن ابن عباس: هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن فإن كان السابع أنثى استحيوها وإن كان ذكرا وأنثى في بطن واحد استحيوهما وقالوا: وصلته أخته فحرمته علينا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7