الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قال الرازي: في إتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:

الأول: إنه تعالى لما قال:مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [المائدة: 99] صار التقدير كأنه قال: ما بلغه الرسول إليكم فخذوه وكونوا منقادين له، وما لم يبلغه الرسول إليكم فلا تسألوا عنه ولا تخوضوا فيه، فإنكم إن خضتم فيما لا تكليف فيه عليكم فربما جاءكم بسبب ذلك الخوض الفاسد من التكاليف ما يثقل عليكم ويشق عليكم.

الثاني: إنه تعالى لما قال:مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [المائدة: 99] وهذا إدعاء منه للرسالة، ثم إن الكفار كانوا يطالبونه بعد ظهور المعجزات بمعجزات أخرى على سبيل التعنت كما قال تعالى حاكياً عنهم:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] - إلى قوله -قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 93] والمعنى أني رسول أمرت بتبليغ الرسالة والشرائع والأحكام إليكم، والله تعالى قد أقام الدلالة على صحة دعواي في الرسالة بإظهار أنواع كثيرة من المعجزات، فبعد ذلك يكون طلب الزيادة من باب التحكم، وذلك ليس في وسعي، ولعل إظهارها يوجب ما يسوؤكم، مثل أنها لو ظهرت فكل من خالف بعد ذلك استوجب العقاب في الدنيا.

ثم إن المسلمين لما سمعوا الكفار يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذه المعجزات وقع في قلوبهم ميل إلى ظهورها فعرفوا في هذه الآية أنهم لا ينبغي لهم أن يطلبوا ذلك، فربما كان ظهورها يوجب ما يسوؤهم. الوجه الثالث: إن هذا متصل بقوله:وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } [الأنعام: 99] فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أحوال مخفية إن تبد لكم تسؤكم. اهـ. كلام الرازي بنصه.

وأقول: إن مناسبة هاتين الآيتين لآية تبليغ الرسول للرسالة مناسبة خاصة قريبة، ولهما موقع من مجموع السورة ينبغي تذكره والتأمل فيه. ذلك أن هذه السورة آخر ما نزل من السور، وقد صرح الله تعالى في أوائلها بإكمال الدين، وإتمام النعمة به على العالمين، فناسب أن يصرح في أواخرها بأن الرسول قد أدى ما عليه من وظيفة البلاغ، وأنه ينبغي للمؤمنين أن لا يكثروا عليه من السؤال، لئلا يكون ذلك سبباً لكثرة التكاليف التي يشق على الأمة إحتمالها، فتكون العاقبة أن يسرع إليها الفسوق عن أمر ربها.

فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم طال الفصل بين هذا النهي وبين الخبر بإكمال الدين، ولم يتصل به في النظم الكريم؟ قلت: تلك سنة القرآن في تفريق مسائل الموضوع الواحد من أخبار وأحكام وغيرهما لما بيناه مراراً من حكمة ذلك، وهاك أقوى ما ورد في أسباب نزول الآيتين:

روى أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وغيرهم عن أنس ابن مالك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط وقال فيها

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد